قرأت لك

التاريخ الأدبي والثقافي للقلق

فرانسيس أوجورمان، أستاذ في كلية اللغة الإنجليزية في جامعة ليدز، بالمملكة المتحدة، له عشرون كتابًا، معظمها في الأدب الإنجليزي، وله أيضًا العديد من المقالات في الأدب، والصحة العقلية، والموسيقى، وقدم في كتابه «القَلَق: التاريخ الأدبي والثقافي» نهجًا لتأمل الحياة العقلية وآلامها المألوفة، وظهور الفكرة المعاصرة عن القلق في العصر الفيكتوري، وترسيخها بعد الحرب العالمية الأولى، كسمة من سمات الحداثة.

مرض العصر
وأوضح أن عددًا من الكتاب الذين برزوا فيما بين الحربين العالميتين اعتبروا القلق “مرض العصر” وتناولوا بالدراسة أنواع المخاوف اليومية غير المرضية للقلق، ودلَّل على أنّ القلق رفيق طبيعي في العالم الذي نعيش فيه ونراه عن طريق العقل، مع الاعتقاد بأن لنا الحق في الاختيار، واكتشف كيف صاغ العالم الحديث مخاوف الإنسان اليومية وشكَّلها.

تتبع تاريخي
ونقل المؤلف عن الروائي الإنجليزي أنتوني ترولوب قوله: “غالبًا ليس هناك مواساة للرجل من الضيم المتأصل إلا الشعور بأنه جريح، وهي المواساة التي يمكن لعقله أن يحتضنها”. وأتبع ذلك بقوله: القلق حالة غريبة واكبت وجود الإنسان على الأرض ويمكن تتبُّع تاريخ الكلمة من اشتقاقها، بدءًا من المعنى القديم لكلمة «خنق» مرورًا بمدلولها في عصر النهضة «المضايقة الجسدية» وصولاً إلى مفهومها الحديث «القلق المعتدل».

المفهوم الحالي
وأشار إلى أن المفهوم الحالي للقلق لم يظهر إلا مطلع القرن التاسع عشر، مع نمو المدن الكبرى وإزدهار الصناعات الحديثة، ومنذ ذلك الحين تسلل القلق إلى حياة سكان المدن المنهمكين بالأعمال، والذين يستخدمون أدمغتهم أكثر من اللازم، وقد تجلى القلق بلمحات من التألق في أعمال فرجينيا وولف، وتوماس ستيرنز إليوت، وويستن هيو أودن، وغيرهم ممن استشهد بهم مؤلف هذا الكتاب بسخاء أستاذ الأدب الفيكتوري.

حدود العقل
يدل القلق حسب الكتاب على حدود العقل، وقال في ذلك “يُظهر القلق ما نعتقد به حقًّا، فعلى الرغم من كل إيماننا بالعقل، ورغبتنا في أن نفكر بأنفسنا كمخلوقات منطقية، إلا أننا حقًا نتشكل حسب ما نعتقد”. فالعقل القلِق يشبه العمارة القوطية الكبيرة، يضم “ابتكارًا، وخيالًا، وتبايُنًا” والطقوس العقلية للإنسان القلِق “التكرار، والاستدارة، واختلاجات الهوس” تُظهر مدى عمق الحاجة إلى استمرار هذه الطقوس.

أكثر من «جنون»
ووصل الكاتب إلى نتيجة مدهشة وهي أن القلق في حقيقته أكثر من مجرد شكل من أشكال الجنون مُفرط النَّشاط، ففي بعض الحالات، يمكنه أنْ يشحذ تصوراتنا. “إن الأشخاص القلقين مؤهلون في تحليل حالات العقل، واستجاباته الشعورية، وتمييز فروقه الدقيقة، وظله الفارق”.
وبدون مبالغة، قد يكون الإنسان القلق أكثر فهمًا على أرض الواقع من المتفائل المبتهج، فالثقة تتسم بالمرح والابتهاج، والسعادة يمكن أن تكون مربكة، كستار من الدخان الكثيف يحول دون النظر في المشاكل كما هي في الواقع.

جوهر القلق
هذا الكتاب ليس الغرض منه المساعدة الذاتية، بل هو إشارات إلى حالة معاصرة، وكما يوحي عنوانه الفرعي، يعرض التاريخ الأدبي والثقافي للقلق، فضلًا عن أنه كتاب شخصي، فقد اعترف المؤلف بأنه إنسان قلق، وهو تمرين بشأن القلق، وهكذا، إن القلق في كثير من الأحيان متكرر، غير منتظم، ومتسامح قليلًا مع النفس، وبطبيعة الحال، الانغماس الذاتي، كما يشير الكتاب، هو جوهر القلق. “القلق بصمت هو أنْ يشعر بنوع معين من التقارب مع النفس”. ومن المفارقات، أنَّ القلق قد يصبح في بعض الأحيان مصدرًا للراحة!

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA