السموم العلاجية.. الواقع والمأمول

تعدّ السموم كمواد كيميائية أو بيولوجية أو عوامل فيزيائية قد تدخل الجسم عبر الابتلاع أو الاستنشاق أو النفاذ من الجلد فتحدث أضرارًا  على الكائنات الحية، قد تؤدي إلى الوفاة، وعندما تُصنّف مادة ما على أنها سُمّ فمن البديهي أننا نبتعد عنها، وبالرغم من ذلك يمكن للعلماء تحويل السموم  إلى علاج. وتعمل السموم بالتأثير على  بعض العمليات الحيوية في جسم الإنسان قد يؤدي إلى الوفاة، بينما تناول بعض السموم بجرعات صغيرة قد يكون علاجًا للأمراض الفيروسية والبكتيرية والسرطانية، كما أن تناول بعض الأدوية مثل ديجوكسين والأسبرين والمنومات والمهدئات بجرعات كبيرة تصبح هذه العلاجات سمومًا تهدد حياة الإنسان. وبالرغم من التقدم العلمي المذهل  في المجال العلاجي إلا أنه لا يزال الكثير من الأمراض لا يوجد لها علاج نهائي، لذا يعكف العلماء على البحث لحل هذه المشكلة بدراسة السموم البيولوجية واكتشاف علاجات فعالة للأمراض المستعصية منها.

 تعد سموم الأفاعي وخاصة الكوبرا من أشد السموم خطورة وتسبِّب مئات الوفيات سنويًا، ولكن هذه السموم قد تحمل أملاً جديداً لعلاج التهاب المفاصل من خلال حماية الكولاجين، وما زالت الأبحاث سارية لاكتشاف أدوية من هذه  السموم. كما يعد سم بعض العناكب علاجًا واعدًا قد ينقذ المصابين بالذبحة الصدرية من الموت المحقق. أيضًا الحلزون المخروطي السام من أخطر المخلوقات التي تعيش على الأرض، فقطرة واحدة من سمه قد تقتل العشرات من البشر، وقد أثبتت الدراسات أن لهذا السم خصائص مسكنة للآلام بفاعلية أقوى من المورفين من خلال إحداثه لحصار في النقل العصبي، ويستخدم في علاج الشلل الرعاش والزهايمر والاكتئاب وغيرها. أضف إلى ذلك سم العقرب الأصفر الشديد السمية، ومع ذلك أثبت العلماء أن له فوائد في علاج السرطان، كما تفرز بعض الأسماك أشد أنواع السموم الطبيعة المعروفة، وقد يفوق السيانيد، حيث استطاع الباحثون استخلاص مسكن ألم فعال من هذا السم.  كما أن بعض الضفادع تفرز عرقاً ساماً أثبتت الدراسات أنه يحتوي على بعض المواد الدوائية التي يمكن أن تحسن تدفق الدم.  

وتعد النباتات كذلك مصدرًا للسموم البيولوجية والتي يمكن أن تكون أدوية واعدة، فالباذنجان السام قد يكون مصدرًا لاكتشاف علاج للعديد من الأمراض، كالربو والنقرس والصرع، وفي العمليات الجراحية، حيث يحتوي على مواد تمنع بعض الإشارات العصبية. كما أن فطر الإرغوت يستخرج منه عدة مواد دوائية، أهمها الإرغوتامين الذي يستخدم في الولادة للمساعدة في إيقاف النزف ولعلاج الصداع النصفي وموض باركنسون والأمراض العصبية الأخرى. ويعد نبات الشوكران من النباتات السامة جداً، وقد استخلص العلماء السم من هذا النبات واستخدموه لعلاج الصرع والهوس والسعال الديكي والشلل الرعاش. أضف إلى ذلك شجرة الطقسوس، وقد ذكرها ابن سينا في كتاب القانون تحت اسم «الزرنب»، وأكد أن له استخدامات علاجية للقلب، وحديثًا أثبت الباحثون أن له تأثيرات مضادة للسرطان.كما تعد البكيتريا من الكائنات المنتجة للسموم البيولوجية، فمثلاً سم البوتيولينم، وهو مادة كيميائية يتم استخراجها من البكيتريا المسماة «كلوستريديوم بوتولينيوم»، يُعد هذا السم أكثر المواد سمية، حيث إن 2 كيلو جرام فقط منه يمكن أن تؤدي إلى قتل البشرية بأكملها. ويعمل سُم البوتيولينم على التوصيل العصبي عن طريق منع إفراز الأستيل كولين الذي يُعد الناقل العصبي الرئيسي، نتيجة لذلك يحدث شد عضلي بشكل مؤقت بين الأعصاب والعضلات. لذلك يستعمل البوتيولينم عمليات البوتوكس لعلاج طمس تجاعيد عضلات الوجه، حيث يحقن به الجلد بكمية مخففة جداً ليظهر مشدودًا وأكثر جمالاً. كما يستعمل لتصحيح أوضاع العين البطيئة أو الحَوَل، وعلاج فرط التعرُّق الشديد وعلاج حركات العضلات لدى مرضى باركينسون  وعلاج الصداع النصفي.

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA