الجريمة السيبرانية هي التي يتم ارتكابها ضد أفراد أو مجموعات بواسطة من لديهم دافع جنائي للإضرار عمداً بسمعة الضحية أو التسبب في ضرر جسدي أو عقلي له بشكل مباشر أو غير مباشر، من خلال البيئة الرقمية، والتي يطلق عليها أيضًا الفضاء السيبراني.
يرتبط تطور الجريمة السيبرانية ارتباطًا وثيقًا بتطور تلك البيئة وبنمو وسائل التواصل عبرها، وقد وصل هذا التطور في الوقت الراهن حدًا جعل من الصعب تصور وجودها، وربما وجود أي جريمة أخرى، دون أن يكون للفضاء السيبراني دور فيها، فهو قد جلب معه تغييرات جوهرية في طبيعة الجرائم الحالية ومستواها وأساليب العمل المتَّبعة فيها.
يتيح الفضاء السيبراني فرصـًا مـستجدَّة للجريمـة السيبرانية مـن خلال ما أوجده من طرق جديدة للتواصل السيبراني، مثل وسائل التواصل الاجتماعي والبريد الإلكتروني والمنتديات الإلكترونية، بين الضحايا والجناة، حيث تيسر هذه الطرق التعليم المتبادل لسبل ارتكاب الجرائم بين أشخاص لم يكن لديهم فرصة للتواصل قبل ذلك، فيتم على سبيل المثال من خلال المنتـديات الإلكترونيـة الخاصة بـ«قراصـنة بطاقـات الائتمـان» تبادل بيانات بطاقات الائتمان المسروقة، كما توفر مواقع الأسواق الإلكترونيـة غـير المـشروعة وما يرتبط بها من منتديات النقـاش الإلكترونيـة المباشـرة؛ منابر لتبادل المعلومات بشأن سبل إخفاء الهوية، وسبل تجنُّب لفت انتباه أجهزة إنفاذ القوانين.
لا تؤثر طرق التواصل السيبرانية علـى الممارسـات الإجراميـة المحلية فحـسب، وإنمـا تغير أيضًا العلاقـة بين العالمي والمحلي؛ فقد أضحى الغش المالي للمستهلكين على سبيل المثال أمراً شائعاً وعابراً للحدود الوطنيـة بــسبب اســتخدام بطاقــات الائتمــان والبطاقــات المــصرفية للمــدفوعات الإلكترونيــة، كما أدى التحريض على العنف والإرهاب علـى الـصعيد العـالمي مـن خـلال الإنترنـت ووسائل التواصل الاجتماعي، إلى توسيع مدى وصـول الجماعـات الإرهابيـة الـتي كانت تعمل في نطاق محلي من قبـل وزيادة مدى تأثيرها.
كما يمكن الآن أن توجه الجرائم السيبرانية إلى أعداد كبيرة من الضحايا يصعب تحديدهم، فيمكن على سبيل المثال توزيـع البرمجيـات الحاسـوبية الخبيثـة بحيث تـضر بعـدد كـبير جـدًا من الضحايا في وقت واحد، أو الوصول إلى أعداد كبيرة من الأهداف من خـلال الاسـتعمال المتزايـد للخـدمات الإلكترونيـة المباشـرة مثل الخـدمات المـصرفية والتـسوُّق الإلكتروني وشـبكات التواصـل الاجتمـاعي والتـشارك في الملفـات، ممـا يجعـل مستخدميها عرضـة لهجمـات التـصيد الإلكتروني الاحتيالي.
ويوفر الفضاء السيبراني إمكانيات لاتخاذ هويات مزيفة أو لإخفاء الهوية، مما فتح الباب أمام ارتكاب جرائم بواسطة أشخاص لم يكونوا ليرتكبوها في المجتمع المــادي بحكــم وضــعهم ومكانتــهم. كما زاد في نفس الوقت مـن ضلوع الجنـاة الـذين ربما لم يـسبق لهـم أن كـانوا ضـالعين في نـشاط إجرامـي.
على سبيل المثال، فقد أتاحت تلك القدرة العالية علـى إخفـاء الهويـة عبر الإنترنت - من خلال سبل التواصل المشفر أو الشبكة المخفية darknet - بيع وشراء المخدرات وغيرهـا مـن المنتجـات غـير المـشروعة عن طريق الربط بـين المـشترين والبـائعين عـبر الحـدود الوطنيـة مـن خـلال مواقـع التسوق على الإنترنت، مع الدفع بعملات افتراضية مجهولة الهوية وشحن المشتريات بالبريد.
هناك أدوات وتدابير تقلل من هذه الهجمات السيبرانية مثل البرمجيــات الحاســوبية الأمنيــة، والمعرفة باحتمال الوقوع تحت طائلة القانون، إلا أنها غير كافية لردع الجناة المدفوعين بإغراء تحقيق أرباح كبيرة، وهو ما يزيد من العبء على أجهزة إنفاذ القانون.
أ. د. جبريل بن حسن العريشي
أستاذ علم المعلومات
إضافة تعليق جديد