لما كان مجال المقارنة بين القديم والحديث متاحًا، وثنائية التصويب والتخطئة التي يدور عليها المقال ثنائية قائمة ومستمرة، لم تستطع المناهج الوصفية التي سادت في الفكر اللغوي الحديث والمعاصر أن تضع لها نهاية.
من هنا رأيت أن أتناول فكرًا لغويًا معياريًا عند أحد المؤلفين في التصحيح اللغوي، عدنان علي، فقرأت بعض ما جاء فيه قراءة من يلهث إلى العلم والمعرفة في التصويب والتخطيء من خلال النماذج المختارة من كتابه؛ وذلك لما لمست فيه من مبالغة وتحمس كبير في تخطئته ما الأمر فيه واسع، لو أنه رجع إلى مراجع أخرى غير ما رجع إليه حين كان يجمع مدونته المدروسة.
وقد أدلى عدنان بدلوه وأفاد، وإن كان فيما أتى به شيء من الهنات، واخترت بعض النماذج مما جاء في الكتاب لدراسته.
- ورد في كتاب عدنان علي، ص «49» «زاد على أم زاد عن»: والخطأ الذي يقع فيه بعضهم أن يقولوا: يزيد عن مئة، فيستعمل حرف الجر «عن» بدلاً من «على» وهذا لا يصح، فالصواب «يزيد على».
تأثر عدنان علي بمحمد العدناني في كتابه «معجم الأخطاء الشائعة»، إذ قد أثنى على الكتاب الذي يستحق الثناء بما يوحي بشغفه الشديد به، وبغيره مما نهج منهجه في التصويب والتخطيء؛ ولذا سار عدنان على نهج العدناني سيرًا أشبه شيء بالتقليد وهو ما أدى به إلى التسرع والتعجل في تخطئة العبارة، متناسيًا أن في كتاب العدناني هذا مع اعترافنا له عددًا غير قليل من العبارات خطأها، وكلها صحيحة بالبحث والتنقيب.
ويزيد عدنان علي جرأة في التخطئة عدم ورود الفعل «زاد» متعديًا بـ«عن» في المعاجم اللغوية، ولو تمهل قليلاً ورجع إلى النصوص اللغوية لوجد ما يثنيه عن هذا التعجل. ورد في شعر خفاف بن ندبة:
يزيد نبــــالة عن كل شـــيء
ونافلة وبعض القوم دون
فقد أجاز بعض اللغويين نيابة الحروف بعضها عن بعض، فالفعل «زاد» يجوز تعديته بـــــ«على» أو بـــــــــ«عن»، أو بـــــــ«إلى» إذا ضمن الفعل معنى «أضاف» وقد تعدى الفعل «زاد» بــ«إلى» في الاستعمال القرآني «ويزيدكم قوة إلى قوتكم» هود: 52، وكذلك يعدى بالحرف «في»، قال تعالى «يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» فاطر:1.
- كما ورد في ص «52»، «حيث إنّ أم حيث أنّ» «يخطئ بعضهم حين يقول: «حيث أنّ» فيفتح همزة إن، والصواب أن يقال: «حيث إنّ بكسر الهمزة؛ وذلك لأن الجملة بعد حيث جملة ابتدائية.»
صحيح ما قاله في أن همزة «إنّ» تكسر بعد «حيث» إذا قدر ما بعدها جملة، ولكن جاء في همع الهوامع في شرح جمع الجوامع «...وَمن أجَاز إضافتها إِلَى مُفْرد أجَاز الْفَتْح «إذن، يجوز في همزة «إن» الكسر والفتح بعد «حيث». فالحكم فيه يعود إلى التقدير.
- ورد في ص «58» من الكتاب، بائسون أم بؤساء، يخطئ بعضهم فيجمع كلمة «بائس» على «بؤساء»، وهذا خطأ والصواب بائسون، أو بؤس.
يرفض جمع «بائس» على «بؤساء» لأن جمع بائس بائسون، أما بؤساء فجمع لبئيس، ولعله تناسى أن «بؤساء» يجوز جمعًا لــ«بائس» إذا دل على الغريزة أو ما يشبه الغريزة، أو السجية، مثل عاقل: عقلاء، أو دلّ على ما يشبه الغريزة أو السجية في الدوام وطول البقاء، مثل: بائس بؤساء، بالإضافة إلى أن المعاجم الحديثة قد أوردت «بؤساء» جمعًا «بائس».
يعقوب أركيهوصلا أسامة
قسم اللغة العربية - طالب دكتوراه
إضافة تعليق جديد