العلاج بالتأمل

يؤدى إيقاع الحياة السريع إلى إصابة الإنسان بأمراض العصر مثل القلق والتوتر والاكتئاب، مما قد يدفعه إلى الإفراط في تناول الأكل أو التدخين أو إدمان عادات سيئة، مثل المخدرات أو شرب الخمر، وقد يلجأ البعض إلى تناول الأدوية المهدئة بما لها من آثار سلبية على التوازن الكيميائي للجسم.

والحل السحري لهذه المشكلة يكمن في التأمل والتدبر في أسرار ومعاني الآيات الشرعية والكونية وملاحظة وجه الكمال والجمال ومشاهدة الدقة وحسن التنظيم والتماس الحكم والعبر، ويعد التأمل من العلاج التكميلي ويعرف «بالخلوة العلاجية» أو العبادة الصامتة، ويعني الغوص بالتفكير في شيء آخر غير المشكلة الظاهرة فيفرغ الشخص الشحنات السلبية ويتم تحفيز الطاقة الإيجابية فيشعر بالراحة النفسية، وبذلك يشفى من أمراض عديدة.

تشير الدراسات إلى أن التأمل يحفز إفراز «الأندروفين» الأنترفيرون والجينات المثبطة للسرطانات والخلايا الجذعية، كما يساعد على تحسين عملية التنفس وزيادة معدل الأيض، وكل ذلك يخلص الإنسان من التوتر والحزن والقلق.

العلاج بالتأمل مفيد في الشفاء من الاكتئاب والإدمان وضغط الدم والصداع وآلام المعدة والعمود الفقري والخوف والكلى والكبد وغيرها من الأمراض، وقد ثبت علمياً أن التأمل يقي من الإصابة بالنوبات القلبية والسكتات الدماغية، كما هو مفيد لعلاج الإدمان على الكحول والمخدرات، وكذلك يخفف من آلام الطمث عند النساء وعلاج مساعد للعقم، ويعد وسيلة ناجحة لعلاج القلق والاكتئاب وغيرها من الأمراض على مر العصور.

يعتمد العلاج بالتأمل على تركيز العقل على صوت أو كائن أو صورة تخيلية أو حركات شعائرية «مثل الصلاة» من أجل زيادة الاسترخاء وتعزيز السمو الروحي والجسدي، وبالتالي فإن مجالات التأمل لا حصر لها، ومَن طَرق هذا الباب رأى في كل شيء آية وعبرة، فالإنسان والنفس البشرية مجال لا ينفد لمن تأمل وتدبر، وكذلك الحيوان والنبات، والجبال، والبحار، والشمس والقمر والحجر، وقصص الأقدمين وسائر المخلوقات.

قال الله جل شأنه «أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا في أَنفُسِهِم مَّا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى». وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تفكروا في خلق الله, ولا تفكروا في ذات الله».

ومما يساعد على التأمل أن يسأل الإنسان نفسه الأسئلة الفطرية ويحاول الإجابة عليها، ويتحقق التأمل إذا وصل المتأمل إلى  نسيان مشاكله والغوص بخياله في ملكوت الله. قال تعالى «أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ». ويجب أن يكون التأمل بمعدل 3 - 4 أيام أسبوعيًا لمدة 30 دقيقة بحالة من الهدوء والسكينة.

والعلاج بالتأمل قد يستخدم منفردًا لعلاج بعض الأمراض، بينما يمكن أن يكون علاجًا تكميليًا لأمراض أخرى مثل السرطان، ويمكن أن يستخدم كعلاج مصاحب للأدوية مع مرضى الاكتئاب والهوس وفقدان الترابط والقلق والفوبيا المرضية.

وقد اعتنى السلف بالتأمل والتدبر قال بعض السلف: إني لأخرج من منزلي فما يقع بصري على شيء إلا رأيت لله علي فيه نعمة ولي فيه عبرة. وقال الحسن البصري: تفكر ساعة خير من قيام ليلة. وقال آخر: الفكرة نور يدخل قلبك. وبذلك يعود التأمل والتدبر بالفائدة على روح الإنسان وجسده، فيحدث التوازن الكيميائي والنفسي والبدني للجسم، فيتم تجديد الخلايا ويتخلص الإنسان من الأفكار السلبية ويتم الشفاء من الكثير من العلل والأسقام  بإذن الله.

 

أ. د. جمال الدين إبراهيم هريسة

كلية الصيدلة – جامعة الملك سعود

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA