«سيدريك كولينجود» رائد علم النمل العربي

لم أكن أتخيل يوماً أن أمسك قلمي وأخط مقالة عنه وعن حياته وإنجازاته وعن شخصيته الفريدة التي أبهرت كل من عرفه وخالطه! إنه الأستاذ «سيدريك كولينجود - Cedric Alex Collingwood»، أحد أشهر علماء النمل في العالم وأكثرهم تميزاً وعطاءً للعلم.

والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا مقالة عن السيد كولينجود؟ وما أهميتها لقارئ رسالة الجامعة والقارئ السعودي بوجه عام؟

الإجابة في نقطتين: الأولى أن سديريك كولينجود هو أول عالم نمل قام بزيارة المملكة العربية السعودية ودرس أنواع النمل بها، وكان ذلك عام 1985م، وقادت بحوثه ودراساته إلى اكتشاف عشرة أنواع جديدة من النمل في المملكة، ثم لم يكتف بتلك الزيارة بل أتبعها في بداية التسعينات من القرن الماضي برحلات استكشافية متعددة للمملكة ولدول شبه الجزيرة العربية، وبعدها نشر بحثاً مستفيضاً تناول كل أنواع النمل في شبه الجزيرة العربية ومكتشفاً 56 نوعاً جديداً للعلم!

الثانية: الصلة الوثيقة التي ربطت العالم الفذ بجامعة الملك سعود، والتي تمثلت في مجموعة أبحاث الحشرات الاقتصادية بقسم وقاية النبات بكلية علوم الأغذية والزراعة، والتي يقوم على الإشراف عليها الأستاذ الدكتور عبدالرحمن بن سعد الداود.

ولد «سيدريك أليكس كولينجوود» بعد نهاية الحرب العالمية الأولى، وبالتحديد عام 1919م في مقاطعة لويشام بإنجلترا، لأب إنجليزي عمل موسيقياً وملحناً، وأم روسية.

نشأ سيدريك في الريف الإنجليزي وأظهر اهتماماً وشغفاً بالحشرات سيما النمل والخنافس، وأتم تعليمه الجامعي فحصل على البكالوريوس في علم أمراض النبات من جامعة لندن عام 1941م، ثم حصل على دبلوم في آفات وأمراض النبات، ثم عين مساعد باحث في كلية هابرآدمز للعلوم الزراعية من عام 1941-1946م، ثم عمل كباحث في وزارة الزراعة والمصائد السمكية الإنجليزية.

جاب كولينجود أنحاء العالم مستكشفاً أنواع النمل المختلفة، ثم نشر عشرات البحوث عن نمل إنجلترا والدول والأسكندنافية وشبه جزيرة أيبيريا وكوريا واليونان والعديد من الدول الإفريقية، ولعل أكثر بحوثه أهمية تلك التي تناولت نمل المملكة العربية السعودية ودول شبه الجزيرة العربية عامي 1985، 1996.

يعد سيدريك بحق رائد النمل في المنطقة العربية بلا منازع، ولولا جهوده لما استطعنا أن نعرف أنواع النمل المحيطة بنا وتحديد ماهيتها ضارة أم نافعة، وتحديد تأثيرها البيئي.

بدأت حكايتي مع هذا العالم الفذ في صيف عام 2000 حين قابلته في القاهرة في زيارة علمية له، وبدأت أعرض عليه أنواع النمل التي جمعتها من مختلف أرجاء مصر، فكان يفحص النمل باهتمام وشغف شديدين، وكان العلم ينساب من فمه متلاحقاً رقراقاً عذباً كأروع ما يكون، ولولاه لما أكملت رسالة الماجستير عن نمل مصر عام 2001.

أبديت له رغبتي في زيارة مجموعته البحثية والاطلاع على أنواع النمل الموجودة بها، وعلى الفور أرسل لي دعوة رسمية لزيارته في مدينة سكيبتون بمقاطعة يورشاير في المملكة المتحدة، وأقمت معه ثلاثة أسابيع في منزله ندرس النمل سوياً ونتبادل أطراف الحديث في كل شؤون الحياة من سياسة وفن وعلوم.

منذ التحاقي بمجموعة أبحاث الحشرات الاقتصادية عام 2009 حرصت الوحدة على إقامة جسر تواصل بينها وبين عالمنا الكبير، فقمنا بزيارته بشكل دوري ونشرنا خمسة بحوث معه عن نمل المملكة العربية السعودية واليمن وعمان والإمارات وجزيرة سقطرى.

استطاع سيدريك على مدى عقود من العمل البحثي والرحلات الاستكشافية أن يؤسس لمجموعة من النمل يصعب أن يوجد مثلها، مجموعة فريدة تحوي العديد من أنواع النمل من مختلف أنحاء العالم، دامت هذه المجموعة في منزله قبلة للباحثين والمهتمين بعلم النمل على مستوى العالم.

أوصى سيدريك أن تودع مجموعته متحف العالم في ليفربول وهناك استقرت هذه المجموعة النادرة من عينات النمل حيث تلقى اهتماً بالغاً من إدارة المتحف بمديره الدكتور ستيفن جود Dr. Stephen Judd والسيد توني هنتر Mr. Tony Hunter أمين الحشرات بالمتحف.

مهما تكلمت عن سيدريك وعن شخصيته وإنجازاته وأعماله فلن أستطيع أن أفيه حقه، لقد كان نموذجاً فريداً للعالم المتواضع والباحث المتميز والإنسان الخير الذي لا يألو جهداً في تقديم العون لمن حوله دون انتظار مقابل، وكل كلمات الشكر لا تستطيع أن توفيه حقه أو أن تعبر عن فضله، كل الشكر والامتنان لك يا سيدريك!

د. مصطفى رزق شرف

أستاذ علم الحشرات المشارك - قسم وقاية النبات

كلية علوم الأغذية والزراعة

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA