البطة تندب حظها والنسر يحلق عالياً

وقفتُ على قصة أقل ما يقال عنها أنها نموذج مثالي واقعي لسلوك راقٍ جداً، وتعامل في غاية الروعة والجمال، وهذه القصة مترجمة من اللغة الإنجليزية، وقد تم اختصارها؛ للتركيز على الفكرة الأصلية منها، واستلهام الدرس المستفاد.

يقول الكاتب: خرجت من المطار وأردت الذهاب إلى الفندق، فساقني القدر نحو سيارة في غاية النظافة، يلبس سائقها ملابس غاية في الأناقة.

نزل السائق من السيارة، وفتح لي الباب الخلفي للجلوس، وقال: «مرحباً، اسمي مراد، وأنا سائقك هذا الصباح، ريثما أضع حقائبك في صندوق السيارة تستطيع أن تقرأ مهامي المدونة في هذه البطاقة».  

قرأت في البطاقة: «أسعد الله أوقاتك، مهمتي أن أوصلك إلى هدفك بأسرع طريقة، وأكثرها أماناً، وأقلها كلفة، وبجو ودي مريح».

جلس السائق خلف عجلة القيادة بهدوء، وقبل أن يتحرك بالسيارة نظر إلي في المرآة وقال: هل ترغب في فنجان قهوة؟ فقلت مازحاً: شكراً، أنا أفضل المشروبات الباردة. فقال: مرحباً، لدي مياه غازية عادية، وأخرى بدون سكر، وعصير برتقال، فقلت: أفضل عصير البرتقال، فناولني كأس العصير. 

ثم قال: بسم الله، وبدأ المسير، وبعد دقيقة، ناولني بطاقة عليها قائمة المحطات الإذاعية وقال: تستطيع أن تختار ما تريد أن تسمعه من الأخبار، أو الموسيقى، أو الدردشة حول ما تراه في الطريق، أو عما يمكنك أن تزوره في المدينة، أو أتركك مع أفكارك، فاخترت الدردشة. 

وبعد دقيقتين، سألني عما إذا كانت درجة التبريد في السيارة مناسبة، ثم قال إن لدينا حوالي أربعين دقيقة، فإن شئت القراءة فلدي جريدة هذا الصباح، ومجلتا هذا الأسبوع.

قلت له: يا سيد مراد، هل تخدم جميع الزبائن بهذه الطريقة دائماً؟! فقال: للأسف بدأت هذه الطريقة قبل سنتين فقط، وكنت قبلها مثل سائر السائقين لمدة خمس سنوات، معظم السائقين سياراتهم غير نظيفة، ومنظرهم غير أنيق، ويصرفون كل وقتهم بالشكوى والتشاؤم وندب الحظ، وجاء التغيير الذي قمتُ به عندما سمعت عن فكرة أعجبتني اسمها «قوة الاختيار».

فسألته: وماذا تقول هذه الفكرة؟ فأجاب: الفكرة تقول: «بإمكانك أن تختار أن تكون بطة أو نسراً؛ البطة تشكو بؤسها وتندب حظها، والنسر يرفرف مبتهجاً ويحلق عالياً». وقد قررت أن أمارس التغيير شيئاً فشيئاً، حتى وصلتُ إلى ما ترى.

وأضاف بصوت هادئ وواثق: أشعر بالسعادة، وأنشر السعادة على الزبائن، وتضاعف دخلي في السنة الأولى، ويبشر دخلي هذا العام بأربعة أضعاف، والزبائن يتصلون بي لمواعيدهم، أو يتركون لي رسالة على الهاتف، وأنا أستجيب.

عزيزي القارئ، أظنك فهمتَ الدرس المستفاد من قصة هذا السائق الذي جسد نموذجاً عملياً راقياً في مهنته، وهذا النموذج فيه دعوة لأن تتوقف عن أن تكون بطة تندب حظها في العمل، وتكثر الشكوى من الحياة!

ابدأ مسيرك لتكون نسراً سعيداً تحلق فوق الجميع، اعلم أنك لن تحقق ذلك مرة واحدة، ولكن باستطاعتك أن تبدأ الخطوة الأولى، ثم واصل طريقك خطوة خطوة، ولو كانت خطوة واحدة كل أسبوع، وسترى ما يحدث لك من تغيير إيجابي، وصدق الله القائل «إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم».

 

فهد عبدالقادر الهتار

خريج جامعة الملك سعود – دكتوراه – كلية التربية

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA