يخطئ بعض الكتاب المحدَثين لخلطهم بين مفهوم الجمال والفن في الأدب العربي؛ إذ لا يضعون حداً فاصلاً بينهما، وأثر ذلك سلباً على القارئ، ولعل سبب ذلك راجع إلى عوامل منها أنهم ذهبوا إلى قول بعضهم في تعريف الأدب بأنه «فن جميل» فنظروا إلى أن «جميلٌ» صفة للفن باعتباره ظاهرة لا تنفصل عن موصوفها «الفن» حسب موقعه في الإعراب كما جاء في التعريف السابق فعدوا الجمال جزءاً لازماً للفن.
ومنها أن بعض الفلاسفة اعتبروا الفن ميداناً وحيداً لحقل الجمال، ومن أولئك الفلاسفة «هيغل» الذي قصر الفن على الجمال فقال: «نقصر مصطلح علم الجمال على الفن الجميل». وقال في موطن آخر: «الموضوع الحق لبحثنا هو جمال الفن منظوراً إليه على أنه الحقيقة الوحيدة لفكرة الجمال».
بالإضافة لتلك العوامل، كلنا يدرك أن معرفة الفرق الدقيق بين الشيئين المتلازمين «أمرٌ فيه مشقة»، ولا سيما إذا كان في الأشياء غير المحسوسة، وتزداد نلك المشقة عند النظر إلى درجة الاتصال بين هذين الاثنين، كما هو الحال بين الفن والجمال؛ لأنّ درجة الاتصال بينهما عالية.
يلاحظ من كلام «هيغل» أن الجمال والفن ظاهرتان متلازمتان بدليل أنه أضاف الجمال إلى الفن، وهذا يعني من وجهة نظره أنّ الفن هو الجمال، لكن هناك رأي في هذا الصدد خالف رأي «هيغل» ومن معه. يقول جون ديوي: «إذا بحثنا الصلة بين الفن والجمال وجدنا أنّ الفن يشير إلى العمل المنتَج، والجمال يشير إلى الإدراك والاستمتاع من ذلك العمل المنتَج».
يُستفاد من هذا الكلام أن «الفن» متعلق بمن يقدّمه و«الجمال» متعلق بالناظر إليه؛ لأن العمل الإنتاجي هو عمل الإنسان يحاول أن يحوله إلى مادة جديدة صالحة، أما الإدراك والاستمتاع بالجمال فعملٌ من الناظر إلى من قدّم العمل الإنتاجي «الفن».
في هذه الحالة يمكن القول إنّ العمل الأدبي الفني مسعى من مساعي الأديب، لإنتاج عمل جمالي بقصد إثارة مشاعر السرور في نفس القارئ؛ إذ كان الجمال والذوق العذب يكمُنان في الفن الشعري, ولكنهما يبرزان نتيجة استجابة قارئ هذا العمل، وكذلك الجمال حكم يأتي من الناقد الذي له قدرة على الحكم بالجودة التي هي الجمال أو الرداءة التي هي القبح في العمل الفني؛ إذ كان من طبيعة الحال أن الفن موهبة لكل شاعر لكن بدرجات تختلف بين فرد وآخر.
ولعل من الواضح أن الغاية في النقد الأدبي الوصول إلى حد عناصر الهوية الجمالية التي تميّز الخطاب الأدبي عما سواه، وإذا تم اكتشاف القيم الجمالية الشعرية ومتعتها وأثرها على النفس، يمكن الحكم على العمل الفني وقتئذ بالفن الصافي، وببدو أن دراسة الشعر من الناحية الفنية تعطي الجمال الشعري منازله ومراتبه، كما تُبرز مكنون ضمائره، بالإضافة إلى أن الفن يحدد جماليات التعبير الشعري عند هذا الشاعر أو ذاك.
يُتوصل مما سبق ذكره أن الجمال يظهر من خلال العمل الفني، فدل ذلك على الربط الشديد بينهما، لكن من الواضح أن الفن وسيلة إلى تحقيق الهدف المرجو في الحقل الأدبي وهو الاستمتاع بالجمال في النص، شعراً كان أو نثراً، ومن الممكن أن تفوت هذه الوسيلة فيفوت الهدف الذي يرمي إليه أدبنا.
بهذا كله يبدو الفرق واضحاً وضوح الشمس بين الجمال والفن، مع شدة القرب بينهما، وأما قصر الفلاسفة الجمال على الفن دون النظر إلى احتمال وحود قبح فيه، فنوعٌ من الغلط والخطأ المبين؛ لأنهم أغفلوا الجانب الآيديولوجي إذا تغلب على الفن لدى شاعر، فتقل مظاهر الجمال حينًا وتنعدم حينًا آخر، وأما تعريف بعضهم للأدب بأنه «فنٌ جميلٌ» فليس بدقيق، والأدق من وجهة نظري «الأدب إجادة التعبير».
حسين عبدالنافع أبانكندا
قسم اللغة العربية
نيجيريا
إضافة تعليق جديد