لعلنا صلينا في مساجد مكتظة بالمصلين، حتى إن الجماعة المتأخرة لا تجد مكانًا داخل المسجد، وتنتظر برهة من الزمن لخروج المصلين في الجماعة الاولى، في المقابل هناك مساجد مر على بنائها سنوات، والصفوف الأولى لم تستخدم منذ تشييدها لقلة عدد المصلين.
ظاهرة كهذه مردها العاطفة التي تقود للمبالغة في مساحة المسجد دون النظر إلى الاحتياج الفعلي في الحي، وإلى المساجد المجاورة وعلاقاتها المسافية، وفي مقابل ذلك هناك مساجد مكتظة بالمصلين، ولا تجد مساحة الأرض الكافية لاستيعاب تلك الأعداد.
إن المبالغة في مساحات المساجد تتبعها تكاليف إضافية مهدرة ليس فقط في المبالغ التي صرفت للبناء، بل في المبالغ التي تصرف لاحقًا وبشكل مستمر من قبيل استهلاك الإنارة والتكييف، وما يتبع ذلك من مبالغ أخرى للصيانة الدورية والتي تصل بعد بضع سنوات إلى ما يقارب تكاليف تنفيذها.
يضاف إلى ذلك ما يتبع كبر المساحة غير المستفاد منها من تكاليف النظافة واستهلاك السجاد الذي يتم غالبًا تغييره بالكامل بعد فترة من الزمن دون النظر في إمكانية الإبقاء على السجاد غير المستهلك في الصفوف غير المستغلة.
وبعيدًا عن التقديرات والملحوظات الشخصية؛ فإن هذا الموضوع كان محل اهتمام الباحثين، ونوقش في المؤتمر العالمي الأول لعمارة المساجد المنعقد في الدمام عام 1438هـ، ومن ضمن الأبحاث المقدمة في هذا المجال بحث بعنوان «المسجد: إشكالية الشكل وكفاءة التشغيل» وخلص البحث في مجال كفاءة استغلال مساحة المٌُصلى من قبل المصلين إلى أنه من أصل 32 مسجدًا من عينة الدراسة فإن أفضلها حالاً ما يشغل نصف المساحة ونسبتها 23%، ثم ما يشغل ثلث المساحة ونسبتها 42%، وأخيرًا ما يشغل فقط ربع المساحة، ونسبتها 35%.
إن أمرًا كهذا يجعل من مسؤولية المعماري المصمم أن يضيف إلى مهامه كمصمم للمسجد دراسة المحيط بالأرض المزمع إقامة مسجد عليها بنطاق لا يقل عن نصف كيلو متر من جميع الاتجاهات، يتناول المساجد القائمة أو المتوقع قيامها، وعدد المساكن القائمة والمتوقع إنشاؤها في المنطقة المعنية، وبالتالي تقدير عدد السكان ونسبة المصلين منهم، ومن ثم تصميم المسجد بناءً على هذه المعطيات، وليس على رغبة المتبرع العاطفية.
د. أحمد رشدي طومان
أستاذ العمارة المساعد
كلية العمارة والتخطيط
إضافة تعليق جديد