التدابير التشريعية للأمن السيبراني

 

 

البيئة الرقمية هي شريان الحياة المعاصرة، والمعلومات التي تجري فيها هي مرتكز الأنشطة والأعمال التي يقوم بها الناس في عالم اليوم، وفي المملكة، يزداد اتساع هذه البيئة - التي أصبح يطلق عليها الفضاء السيبراني - في سياق إنجاز التحول الرقمي الذي يمكن لتحقيق رؤية 2030، التي تعتبر أن البنية التحتية الرقمية مُمكّناً أساسياً لبناء أنشطة صناعية متطورة، ولجذب المستثمرين، ولتحسين تنافسية الاقتصاد الوطني.

من ثم فتتطلع إلى تطوير البنية التحتية الخاصة بـالاتصالات وتقنية المعلومات وبخاصة تقنيات النطاق العريض عالي السرعة لزيادة نسبة التغطية في المدن وخارجها وتحسين جودة الاتصال.

من هنا، فقد ظهرت الحاجة إلى تدابير أمنية للمحافظة على ما يتم تداوله من معلومات في البيئة الرقمية للمملكة، مثلها في ذلك مثل البيئة المادية.

ولما كان هناك تلازم لا ينفك بين التطور الرقمي وما يصاحبه من تطور  في الجرائم السيبرانية وبين الشأن القانوني، فقد برز دور الذراع التشريعي لكي يواجه المخاطر التي لم تكن موجودة قبل الانتشار الواسع للبيئة الرقمية في كل مجالات الحياة.

فهو يضع النظم والقواعد التي تحدد الممنوع والمسموح في هذه البيئة، والتي يلزم اتباعها لتقليل الاحتمالات التي تشكل تهديدًا لها، ومن ثم المحافظة على موارد الدولة المالية والمادية، وعلى سمعتها ووضعها القانوني ومواطنيها.

توفر تشريعات الأمن السيبراني، البيئة القانونية التي تساعد المحققين والقضاة على أداء مهامهم فيما يخص تلك الجرائم، ذلك أن كثيرًا من هذه الجرائم قد يتنازع حكمها أكثر من نظام، مثل جرائم الغش والتزوير وانتحال الشخصيات والمساس بالقيم الدينية أو الآداب العامة، أو التعرض للثوابت المجتمعية، الأمر الذي يجعل  هذه التشريعات، بما تقدمه من نصوص صريحة خاصة بالبيئة الرقمية، تحسم مظنة التضارب القانوني بخصوص الجرائم التي توجد في كلا البيئتين، الرقمية والمادية، وتحد من أثره. 

من منظور آخر فإن للذراع التشريعي دوراً كبيراً في تحقيق رؤية المملكة 2030 بشأن تعزيز حوكمة التحول الرقمي، باعتبار أنها، بحكم طبيعتها، تتضمن تنظيم العمل بقواعد الإدارة الرشيدة التي تشمل أمور المساءلة والرقابة ومكافحة الفساد، فالإطار التشريعي الذي ينظم السلطة، هو في نفس الوقت الذي يقيد قدرة الأطراف الفاعلة صاحبة النفوذ على التلاعب، أو على استخدام ما لديها من سلطات ومعلومات في غير الأغراض المخصصة، كما يوفر وسيلة للتظلم من تجاوزات تلك الأطراف.

ويظن كثير ممن يرتكبون الجرائم السيبرانية أن الفضاء السيبراني، الذي هو محل وقوعها، بعيدًا عن طائلة القانون، وربما يغيب عن بعضهم أن هذه الأعمال التي يعتبرونها وسيلة سهلة لكسب العيش هي من الأعمال الضارة بالمجتمع، التي تضرب أمنه واستقراره وتنشر الفساد فيه، كما أن منهم من يعتقد أن بعض تلك الأعمال ليست من الأعمال المجرمة قانونًا.

ولما كان الهدف من سن  التشريعات هو منع المواطنين - من الأساس - من ارتكاب الجرائم السيبرانية، وليس جرهم إلى ساحات المحاكم لإدانتهم فيما ارتكبوه منها، لذا، فينبغي أن تكون  هناك آلية واضحة للتعريف بالقوانين التي تصدر وبما تضمنته من ممارسات مجرَّمة في الفضاء السيبراني، ذلك أن الوعي بصدور هذه القوانين سيؤدي بكل الأسوياء الذين يعيشون في المجتمع، ويلتزمون بتطبيق نظمه وقوانينه، إلى الامتناع عن هذه الأفعال، ولن يبقى حينئذ إلا ذوي الميول الإجرامية لكي يطالهم القانون.

 

أ. د. جبريل بن حسن العريشي

أستاذ علم المعلومات

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA