اختلفت في الرأي مع زميل لي ذات يوم، فكان رأيه أن محاضر الرياضيات ليس له علاقة بالنواحي القيمية والنفسية والمجتمعية للطلاب، فما عليه إلا أن يؤدي عمله في تعليم الرياضيات ومفاهيمها وإجراءاتها وآلياتها لطلابه فقط، واستدل على ذلك بتعديل اسم وزارة التربية والتعليم إلى وزارة التعليم فقط، وبالتالي فالخصائص الأخرى تخص التربية فقط وهي ليست معنية في مجالنا.
وأثار هذا الرأي تعجبي وفضولي للرد وتوضيح الملابسات لديه، وكان ردي أنه لا يوجد تعليم دون تربية في مضمونه، وحينما يعلم محاضر الرياضيات مادته لطلابه فإنه ينقل إليهم قيماً وعادات وأخلاقاً مع مقرره أثناء تعامله معهم، شاء ذلك أم أبى. وأضفت قائلاً: لنفترض أن رأيك سديد، فلنعلم المقررات والمواد ما نشاء لطلابنا ولتقم دولة العلم والعلماء على أسس العلم فقط، هل نبني أجيال المستقبل للعلم فقط!
ولنا في رسول الله أسوة في ذلك، حين كانت دعوته صلى الله عليه وسلم للدين والعلم والأخلاق والقيم التي غرسها الإسلام في جيله الأول، فكانت الحضارة والمدنية والتقدم التي أذهلت العالم على مدى قرون عديدة وحتى يومنا هذا، لذلك أرى أن رسالة كل محاضر داخل قاعته إنما هي رسالة الأنبياء، وكم يحتاج شبابنا اليوم في العالم العربي أجمع إلى القيم والأخلاق ومبادئ الدين القويمة الصحيحة دون غلو ولا مغالاة.
إن محاضر الرياضيات حينما يعطي محاضرته ويوزع أسئلته ودرجاته بعدالة مع طلابه فقد رسخ قيم العدالة بين طلابه، وإذا اهتم بمشكلة أحد طلابه وشارك في حلها حتى ولو كانت شخصية، فقد نما قيم التعاون والمشاركة ومد يد العون لمن يحتاج وأصَّل قيم الشهامة والرجولة والمؤازرة في المواقف.
كل هذا وهو يدرّس ويعلم الرياضيات لطلابه، وهناك الكثير من المواقف التي تنمي القيم والأخلاق والآداب من خلال تدريسها، هذا بخلاف محتوى الرياضيات الذي يمكن أن يقدم من خلال الأمثلة والمفاهيم والتمارين، وأعتقد أنه مجال خصب لبحوث ودراسات في الماجستير والدكتوراه.
كيف يمكن أن يكون رأيك زميلي الفاضل أن المحاضر أو المدرب مفروض عليه ألا يتدخل في سلوكيات طلابه أو مظهرهم أو تعاملاتهم داخل القاعة الصفية وخارجها، فالمحاضر والمدرب وعضو هيئة التدريس لأي مقرر أو مادة إنما هو وجهة وقدوة يحتذي به طلابه، وكم أتذكر أن زملاء لنا تأثروا بأسلوب تدريس أساتذتهم وشخصياتهم وقلدوهم حتى النخاع في كل شيء لتأثرهم الشديد بهم وبسلوكهم ومعاملاتهم معهم.
هل تعلم أن هناك منهجاً يسمى المنهج المستتر، فيه يتم تدريس الرياضيات، مثلاً للطلاب ويكون من ضمن أهدافه غير المباشرة تكوين اتجاهات وقيم ومبادئ لدى الطلاب بخلاف الأهداف الواضحة الصريحة لهذا المنهج.
إن التدريس مهنة عظيمة، وأثرها في الطلاب عظيم جدا، بل أحيانًا ترسم حياتهم كلها ومستقبلهم نتيجة لتوجيه المعلم أو المحاضر لهم في لحظة ما، ويبقى الأثر طوال عمر الطالب لا ينساه، ولكن النقطة الأهم هي هل دربنا محاضرينا ومدربينا وأعضاء هيئة التدريس على كيفية التعامل مع مشكلات طلابنا وطالباتنا، هل أعطيناهم مفاتيح حل تلك المشكلات «اجتماعية، نفسية، علمية» ومهارات استخدام المفاتيح.
نعم هناك مرشد طلابي هذا اختصاصه، ولكن ما المانع في أن يتمتع المدرب أو المحاضر بهذه المهارة ليتمكن من حل مشكلات تحتاج إلى حل وقتي داخل القاعة أو خارجها دون انتظار، وتكون مهمة المرشد حل المشكلات المعقدة فقط.
نحن نحتاج لجيل قوي يملك العلم والأخلاق والدين معاً، جيل مبني بأساس متين يتقدم علمياً ويحافظ في الوقت نفسه على هويتنا الثقافية والدينية ليسود العالم بشخصية متفردة متميزة تكون محل إعجاب الجميع.
د. هشام عبدالغفار
أستاذ المناهج وطرق تدريس الرياضيات المساعد
السنة الأولى المشتركة
إضافة تعليق جديد