سعت علوم الاتصال والإعلام إلى الاستراتيجية باعتبارها علوماً مستحدثة مقارنة بعلوم الاستراتيجية، وعملت على توظيفها لدعم نجاح الخطط الاستراتيجية للدول والمؤسسات، وهو ما أثمر عن ظهور مصطلح «الاتصال الاستراتيجي» الذي شاع استخدامه خاصة مع بناء الخطط الاستراتيجية، واجتهد في تعريفه عدد من علماء وخبراء الاتصال والإعلام، وأثار نقاشات عديدة، ولعلني في هذا المقال عزيزي القارئ أسهم في الكشف عن ماهية هذا المصطلح، ولماذا لجأت علوم الاتصال والإعلام إلى الاستراتيجية مقدماً خلاصة آراء عدد من العلماء والخبراء.
الاتصال الاستراتيجي مجال ناشئ للدراسة شاع استخدامه في مجال الاتصالات، والإدارة، والعلوم الإنسانية، والاجتماعية، ويرى العديد من العلماء أن الاتصال الاستراتيجي ليس المقصود به التسويق، وإدارة الأعمال، والعلاقات العامة، والدعاية والإعلان، والصحافة، وعلم الاتصال، وعلم النفس، وعلم الاجتماع، ولكنه مجال تندمج فيه مواد كل هذه التخصصات، لذا فإنه يعني التكامل بين علوم الاستراتيجية، والاتصالات الجماهيرية.
ورغم اختلاف الآراء حول تعريف الاتصال الاستراتيجي إلا أن دوره في دعم نجاح المؤسسات وتنفيذ خطتها الاستراتيجية يصعب إنكاره.
وللكشف عن ماهية الاتصال الاستراتيجي أرى أنه من الواجب تناول مفهومين أساسيين يتكون منهما هذا المصطلح، وهما: الاتصال، والاستراتيجية، ثم الكشف عن نشأة هذا المصطلح، وهو الطريق الذي يوصلنا إلى ذكر عدد من مفاهيمه.
الاتصال: عملية إنتاج وتبادل للبيانات والمعلومات والأفكار والآراء والمشاعر من شخص إلى آخر/ آخرين بهدف التأثير وحدوث الاستجابة، وتتم وفق عدة عناصر محددة هي: المرسل، والرسالة، والقناة والوسيلة، والتشويش، والمستقبل، ورجع الصدى أو التغذية الراجعة، وبيئة الاتصال أو السياق الذي يتم فيه الاتصال.
أما الاستراتيجية: فهي استخدام الوسائل لتحقيق الأغراض، وهي فن وعلم مطابقة أو ملاءمة الوسائل والإمكانات بما يحقق الخطط، كما يمكن القول أن الاستراتيجية هي اختيار أفضل البدائل لتحقيق غايات أو أهداف تعبر عن حاجة أو حاجات معينة للمجتمع، وهي نظام من الأهداف والخطط، وتخصيص أو توزيع الموارد لتحقيق الأهداف والخطط، واعتبار التكتيك هو المستوى الأدنى المتناغم الذي يخدم الاستراتيجية.
ولعل التعرف على المراحل العديدة التي مهدت لظهور هذا المصطلح تلقي الضوء على تلك العلاقة الترابطية بين الاتصال والاستراتيجية ومفهوم هذا المصطلح.
بداية؛ ظهرت الاستراتيجية فيما يعرف بالتخطيط الإعلامي فتم توظيفها لضبط السياسات الإعلامية للدول، والمؤسسات الإعلامية على المدى القصير والمتوسط والبعيد، وأدى ذلك لانتشار مفاهيم جديدة، منها «تخطيط الإعلام التربوي، وتخطيط الإعلام التنموي، وتخطيط الاتصال في الأزمات»، ثم ظهرت الاستراتيجية في بحوث الاتصال الجماهيري، والدعاية منذ الحرب العالمية الأولى، وتزايد الاهتمام بها مع بدء الحديث عن القوة الهائلة للإعلام في التأثير على الرأي العام خاصة منذ الحرب العالمية الثانية، وأثمر ذلك عن اهتمام نظريات العلوم الإنسانية والاجتماعية والتوسع في علوم الاتصال والإعلام.
ومع انطلاقة عصر المعلومات، واندماج العلوم المتعددة، وأهمية استثمار ذلك لدعم الخطط الاستراتيجية ومن ثم نجاح المؤسسات، سعت علوم الإعلام والاتصال إلى «الاستراتيجية» لأنها علوم مستحدثة وعملت على توظيف الاستراتيجية في مجال الاتصال لدعم المؤسسات، ومن ثم شاع استخدام المصطلح واهتمت بدراسته كثير من العلوم الإنسانية، وظهرت توجهات متعددة لإدارة عمليات الاتصال الاستراتيجي.
ورغم تعدد آراء العلماء بين مؤيد ومعارض لهذا المصطلح؛ إلا أن الاتصال الاستراتيجي أصبح أمراً واقعاً وكلمة السر في نجاح الخطط الاستراتيجية للدول والمؤسسات.
وقد وصف عدد من الخبراء والجهات مفهوم الاتصال الاستراتيجي بأنه مصطلح شامل لوصف عدد من التخصصات مثل العلاقات العامة، والاتصالات الإدارية والإعلانات، وهو أحد فروع الاتصال، ويستمد قوته من التركيز على الخطة الاستراتيجية للمؤسسة بدلاً من التركيز على إجراءات محددة «تكتيكات»، وهو استخدام هادف للاتصال من قبل مؤسسة ما لتحقيق أهدافها، ويتضمن عدداً من العمليات منها تحليل الجمهور، ووضع أهداف محددة للاتصال، ويرتبط بالخطة الاستراتيجية للمؤسسة، للوفاء بمهامها وعلاقتها بأصحاب المصلحة.
وهو عملية محددة بدقة من أجل تحقيق أهداف الاتصالات على المدى الطويل، ويتطلب مجموعة متنوعة من العمليات منها توفير المعلومات المستدامة والمتسقة، والتنسيق، والاتصالات التي تكتمل داخلياً وخارجياً مع الجمهور، في التوقيت المناسب، واختيار السبل المؤدية لتغيير السلوك أو الأنماط المعتادة، ورصد وتقييم مدى تحقق الأهداف، أو أسباب عدم تحققها، وتحديد الإجراءات التي يجب اتخاذها تجاه ذلك.
والاتصال الاستراتيجي لا يكون ردود أفعال على الأحداث أو ما يثار من قضايا، بل هو منهج تخطيطي شامل يهدف إلى إشراك جمهور علامة تجارية معينة، ويضمن أكبر قدر من تفاعل الجمهور مع هذه العلامة التجارية، من خلال استخدام أنواع التواصل لتحقيق أهداف اجتماعية أو اقتصادية، أو سياسية بشكل مباشر أو غير مباشر بهدف تحقيق التغيير الإيجابي على مستوى الجمهور المستهدف، أو كسب التأييد للضغط على صناع القرار أو تقديم خدمات ترتبط بالبيئة المحلية.
في مقالات قادمة سوف ألقي مزيداً من الضوء - بمشيئة الله - على عمليات الاتصال الاستراتيجي، وأجيب عن سؤال مهم وهو: متى يكون الاتصال استراتيجياً؟!
د. طه عمر
مستشار إعلامي لوكالة الجامعة للتخطيط والتطوير
DrTahaomar@
إضافة تعليق جديد