آفاق أكاديمية

صناعة المثقف

أحد أهم عناصر قوة وحيوية المجتمعات المتقدمة هي توفر طبقة من المثقفين والنخب التي تعمل بجد وصرامة على تطوير الرؤى والأفكار والتوجهات بما يخدم أهداف تلك المجتمعات ويدفعها للتقدم والتنمية والرفاه.
ويعرف أحدهم المثقف أنه: «إنسان ذو اختصاص دقيق، ويتمتع في الوقت نفسه بمعرفة واسعة تتجاوز اختصاصه، ومتابع جيد لما يجري في العالم، ويؤمن بقيم ويتخذ على هديها موقفه..».
فالمثقف هو الذي يحمل مصباح يوجين ليدل الجموع على دروب النجاح والتطور الإنساني والرقي في الحياة.. وتجده عندما يتصدى لأي شأن عام يتحسس المسؤولية المجتمعية في التعاطي مع القضية أو الظاهرة التي يتناولها.
 وهو ما يلقي على كاهل هذا المثقف بمسؤولية كبرى في التعامل الجاد مع القضايا والظواهر.. ليتحول من الإنشائية والشعاراتية المهومة إلى المعالجة العميقة الواقعية التي تستحث الجموع إلى البناء الإيجابي.. منطلقًا من مبدأ احترام المتلقين بكل فئاتهم ومستوياتهم.. وقبل ذلك احترامه لذاته.
الإشكالية هي في وجود ثغرات -خاصة في المجتمعات النامية- تحت مسميات مختلفة «المحسوبية» «الشللية» «الواسطة».. تؤدي إلى تسرب أنواع قد لا تكون لها علاقة حقيقية بالثقافة والعلم بشكل جدي.. والخطورة أن تكاثر هذه النوعيات يؤدي إلى أن تتعامل مع القضايا مجتمعية أو علمية بطريقة فيها نوع من «الخفة».. وأحيانًا تستر عورتها الثقافية والعلمية بممارسات لا تمت للعلم والمعرفة بصلة.
بالطبع.. على الوسط الثقافي أن يضطلع بدور في تجاوز المجاملات وينتقل إلى الحوار الجاد لمعالجة هذه الظواهر، خاصة وأنها ستؤدي –بالضرورة-  إلى قانون معكوس «العملة السيئة تطرد العملة الجيدة» عبر تواري الجادين عن الساحة، فهم لا يسعون للأضواء، ذلك أنهم ينظرون أن على أهل الحاجة الوصول إليهم وليس العكس، وذلك لتميزهم وتوفر الأدوات الحقيقية للعمل الجاد..
ولكن تظل الإشكالية في الدول النامية أن الأقل كفاءة تجده أكثر لحاقًا بموضات التغير والتغيير وله في «كل عرس قرص»، وهو ما يجعل المثقف الحقيقي يتوارى زهدًا منصرفًا عن الساحة، فتتأثر عجلة التنمية ويصبح هناك ما يسمى «تنمية التخلف».
وبلا شك فإن وجود آلية دقيقة محاسبية وإعلامية لفرز المثقف عن غيره وصقله عبر عمليات دقيقة تسهم في صحة الجسم الثقافي وحيويته، هي مسؤولية تضامنية من مؤسسات المجتمع.
أحد أكبر المخاطر التي قد تتعرض لها التنمية الجادة في المجتمعات أن يرتقي على أكتافها «المثقف المزيف»، وهناك مقولة مشهورة لجان بول سارتر: «الخطر الحقيقي على المثقف..هو المثقف المزيف».

د. عادل المكينزي
makinzyadel@ksu.edu.sa

 

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA