صدر كتاب «القوة الناعمة: وسيلة النجاح في السياسة الدولية» عام 2004، وصدرت ترجمته العربية التي أنجزها «محمد البجيرمي» عام 2004 عن مكتبة العبيكان، والمؤلف ليس مجرد مفكر أو محلل سياسي، فهو عميد كلية كيندي للدراسات الحكومية في جامعة هارفارد، وكان رئيس مجلس المخابرات الوطني و مساعد وزير الدفاع في أميركا.
الجاذبية
عرف الكتاب القوة الناعمة بأنها «القدرة على الحصول على ما تريد عن طريق الجاذبية بدلا من الإرغام أو دفع الأموال»، وهكذا فهي تختلف عن القوة الصلبة المكونة من العتاد العسكري والثراء الاقتصادي واستعمالهما بالتهديد بالعقوبات أو الاستمالة بالمساعدات، أن تمتلك قوة ناعمة يعني أن تجعل الآخرين يعجبون بك ويتطلعون إلى ما تقوم به فيتخذون موقفًا إيجابيًا من قِيَمك وأفكارك وبالتالي تتفق رغبتهم مع رغبتك.
تأصيل المفهوم
بدأ الفصل الأول بتأصيل مفهوم القوة الذي يكثر الحديث عنه ويقل فهمه، وهو كما يقول المؤلف عبارة عن القدرة على التأثير في سلوك الآخرين للقيام بعمل ما يتفق مع ما نريده، بعد ذلك ينتقل الحديث إلى القوة السياسية الناعمة بالنسبة للدول، ليوضح أن بلدًا ما قد يكون قويًا ذا تأثيرٍ في السياسة الدولية «لأن هناك بلدانا أخرى-معجبة بمُثُله، وتحذو حذوه، وتتطلع إلى مستواه من الازدهار والانفتاح-تريد أن تتبعه».
مصادر القوة الناعمة
استعرض الفصل الثاني مصادر القوة الناعمة الأميركية، ومنها استحواذها على 62% من أهم العلامات التجارية في العالم، وبها 28% من جميع الطلاب الدارسين خارج بلادهم، وهي أكثر دولة تستقطب المهاجرين وتنشر الكتب والمؤلفات الموسيقية وتنتج البحوث العلمية، إضافة إلى كونها أهم مصدّر للأفلام والبرامج التلفزيونية، وأوضح أن وجود تلك المصادر الجاذبة لا يعني بالضرورة إنتاج قوة ناعمة متحققة، لأنها يجب أن تتناغم مع جاذبية السياسة العامة للبلد.
ثقافة نخبوية
من أهم ما تحدث عنه المؤلف دور الثقافة النخبوية في إنتاج القوة الناعمة، فعرج على أهمية المبادلات الأكاديمية والعلمية وكيف أن الكثير من العلماء السوفييت الذين زاروا أميركا قد تأثروا بالأفكار الأميركية وأصبحوا لاحقًا ناشطين في حركات حقوق الإنسان في الاتحاد السوفييتي. كما تحدث عن دور الثقافة الشعبية المتمثلة في الأفلام والأغاني والرياضة وما إلى ذلك مما يبثّ القيم الأميركية حتى وإن بدت سطحية مبتذلة.
روسيا وأوروبا
لكن أميركا ليست الرائدة في كل مصادر القوة الناعمة، وهذا ما يوضحه الفصل الثالث حين تحدث عن دول أخرى مثل الاتحاد السوفييتي الذي كان ينفق كثيرًا لنشر ثقافته وفنونه ويشارك في القضايا الإنسانية الجذابة، إضافة للمنافس الحالي الأقوى لأميركا وهي أوروبا، حيث الفنون والآداب والأزياء والأطعمة الأوروبية تتمتع بجاذبية طاغية، إضافة إلى أن الدول الأوروبية تحتل المراكز الخمسة الأولى في عدد جوائز نوبل في الأدب، ومبيعات المؤلفات الموسيقية ونشر الكتب.
معلومات مضللة
الفصل الرابع ركّز على إتقان استخدام القوة الناعمة، كما فعلت فرنسا حين نشرت لغتها وآدابها في الخارج في القرن التاسع عشر، ومن الأمثلة الهامة والمثيرة مكتب الخدمات الإستراتيجية في أميركا الذي كان يعمل على «نشر المعلومات المضللة، وتشكيل منتجات هوليود لتصبح أدوات دعاية فاعلة، واقتراح إضافة أشياء أو حذف أشياء، وحرمان أفلام أخرى من الرخصة»، ثم تحدث عن تراجع الاهتمام الأميركي باستثمار القوة الناعمة مع مرور السنين.
انحدار القوة الناعمة
أما الفصل الأخير فخصص للحديث عن العلاقة بين السياسة الخارجية الأميركية والقوة الناعمة، وبيّن كيف أن السياسة «المكروهة» أدت إلى انحدار القوة الناعمة وتناقص أثر الثقافة الشعبية الأميركية في العالم في مقابل تزايد الإقبال على الثقافات الأخرى والفاعلين الآخرين، وحذر من تجاهل القوة الناعمة واستنكر إنفاق أميركا على القوة العسكرية أكثر من الناعمة ب17 ضعفًا، وناقش الطريقة التي يجب التعامل بها مع القوة الناعمة مقدمًا نصائح مبنية على قراءة الأوضاع التي وصلت لها السياسة الخارجية الأميركية.
إضافة تعليق جديد