آفاق أكاديمية

فاجعة نيوزيلندا ولحظة الانتباه

لم يكن العمل الإرهابي الذي أودى بحياة الأبرياء في مسجدين في نيوزيلندا مستغربًا.. بل كان التصرف الإرهابي هو «تظهير» لصورة منطبعة بفعل إعلام وثقافة عنصرية كرسها سياسيون انتهازيون ومثقفون مؤدلجون.
 فالقارعة التي حدثت هي لحظة في سياق ثقافي واجتماعي وديني أججه الساسة من اصحاب التوجهات اليمينية المتطرفة ومثقفون غربيون ما فتئوا يغرسون في فكر العامة «الإسلاموفوبيا» و«صدام الحضارات»، حتى باتت تستخدم فزاعة يوظفها السياسيون في أجندتهم الانتخابية على حساب قطاع كبير مسالم داخل المجتمع الغربي.
ففي الوقت الذي يفترض أن تسلط أجندات الإعلام السياسي الغربي على المشاكل الحقيقية التي تواجهها المجتمعات الغربية في السياسة والاقتصاد وتوزيع الثروة نتيجة للرأسمالية المتوحشة التي أدت إلى زيادة البطالة والفقر.. نجدها تستسهل استخدام خطابات شعبوية لدغدغة عواطف الرأي العام هناك عبر ضخ سموم التطرف والكراهية والعداء للآخر خصوصًا «المسلم».
ولكن السؤال الكبير.. ما المطلوب في التعامل مع اللحظة الراهنة التي جعلت العالم يتساءل: ما الذي حدث؟
أعتقد أن على الدول الإسلامية وشعوبها ومؤسساتها أن يبادروا إلى اهتبال انتباهة الرأي العام العالمي بالعمل على شتى مستويات التواصل مع المجتمعات الغربية لتأكيد الحقيقة التي أطلقها خادم الحرمين الشريفين يحفظه الله بكل وضوح:«إن المجزرة الشنيعة في استهداف المصلين الآمنين بمسجدين في نيوزيلندا، عمل إرهابي..»، فلا يمكن المجاملة بل حتى الجمجمة و اللعثمة في إعلان الحقيقة الكاشفة للفاجعة، وهو أنه «عمل إرهابي»، وهو ما يستدعي مراجعة جادة من الدول الغربية لخطاب الكراهية في الساحة الثقافية والإعلامية والفنية والدينية والذي أوضحه مندوب المملكة في الأمم المتحدة بجنيف، مشيرًا إلى تنامي العنصرية في عدد من الدول الغربية.
إن «لحظة الانتباهة» تستدعي المبادرة بإيصال رسالة الإسلام السمحاء عبر توظيف الشبكات الاجتماعية باللغة الإنجليزية واللغات العالمية، وأن الإرهاب لا دين له، وربط ذلك بمواقع موثوقة «Landing Pages» تشرح المفاهيم الحقيقية وتعرض ما قدمته الحضارة الإسلامية للبشرية.
وهي فرصة لدعم النخب الغربية المنصفة التي وقفت بشجاعة ضد العنصرية البيضاء والشوفونية المتطرفة .. وذلك عبر فتح منابر الحوار الإيجابي والتواصل المستمر معهم وإيصال رسالة مملكة الإنسانية وأدوارها في مكافحة الإرهاب والتطرف وبناء جسور الحوار والتسامح بين الشعوب والأعراق والأديان.
للأسف مراكز بحث غربية وأكاديميون هم من صناع خطاب الكراهية والإسلاموفوبيا  عن قناعة أو ركوب لموجة اليمين المتطرف. وهذا يتطلب حضورًا نشطًا لمؤسساتنا العلمية والأكاديميين عبر المؤتمرات والندوات العلمية وحلقات نقاش لشرح الحقائق وكشف زيف هذا الفكر العنصري. كما يتطلب تفعيلاً للتواصل مع المراكز والمؤسسات العلمية الرصينة لتطويق هذه الرؤى المنبتة عن الساحة العلمية.
بالطبع، إن مستخدمي الإعلام الاجتماعي هم قوة ناعمة قادرة على المساهمة في مخاطبة الإنسان الغربي العادي وتوضيح الحقائق له، ولعلي أشير إلى ما شهدته مواقع تويتر من دعم الشاب الأسترالي الذي بات أيقونة مكافحة العنصرية ضد المسلمين وأطلق عليه «Egg boy»، حيث برز في موقف إنساني عبر فيه عن استيائه من خطاب الكراهية باعتراضه على عنصرية السيناتور الأسترالي.
ولا يفوتني التذكير إلى أن الكلمات العاطفية والاندفاعة الحماسية غير المنضبطة قد تزل بصاحبها، وهذا ما يريده بالضبط «الإرهابي» الذي أشار في بيانه إلى أن ردود الفعل المتطرفة -قولاً أو فعلاً- ستسهم في سكب مزيد من  الزيت على نار الصدام.. فهذا التشويش سيجعل كل طرف يتمترس في خندقه، وهنا ينجح في حشد المجتمع الغربي ضد المسلمين.
كشفت فاجعة نيوزيلندا أن الهجمات التنظيرية تحولت إلى هجمات فعلية دموية، ولا يمكن معالجة «الظاهرة» التي باتت ظاهرة للعيان إلا عبر عمل دولي لكبح جماح تصاعد التطرف ونبذ كل أنواع العنف والتطرف.. ومن هذا المنطلق كان إعلان خادم الحرمين في تغريدة على حسابه بـتويتر، «إن هذه المجزرة الشنيعة تؤكد مسؤولية المجتمع الدولي في مواجهة خطابات الكراهية والإرهاب».
د. عادل المكينزي
makinzyadel@ksu.edu.sa

 

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA