مع التطور الهائل في شبكة الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي التي أصبحت الشغل الشاغل للغالبية الشبابية وما دونهم، فهل يمكن الاستغناء عنها تحت أي حالة وظرف!
في العام 1926م الموافق 1345هـ دخلت المملكة العربية السعودية عالم الاتصالات بإنشاء مديرية البرق والبريد والهاتف وكانت الانطلاقة الأولى للتواصل، وتوالت الإنجازات في مجال الاتصالات وتعددت الطرق والاستحداثات في تطور متسارع، حتى ظهرت للسطح شبكة الإنترنت مع تطوّر صناعة الحواسيب الرقميّة في خمسينيات القرن الماضي.
مثَّل ظهور الإنترنت نقلة نوعية قامت عليها الكثير من التطورات اللاحقة، وانتشرت الشبكة بشكل مُذهل كأسرع وسيلة للاتصال نموّاً في تاريخ الإنسانية، مقارنة بالوسائل السابقة كالراديو الذي استغرق حوالي 38 عاماً حتى وصل عدد مستخدميه إلى 50 مليوناً لاستقبال بثه، في حين احتاج التلفزيون 13 عاماً لنفس العدد، لكن شبكة الإنترنت لم تحتج سوى لخمسة أعوام فقط للوصول لنفس العدد، وفي عشرة أعوام فقط وصل عدد المستخدمين حول العالم إلى 500 مليون بنسبة 8.3% من عدد سكان العالم، أما اليوم فقد تجاوز المستخدمون الأربعة مليارات بنسبة تجاوزت 50%.
تجدر الإشارة إلى أن شبكة الإنترنت قد دخلت تونس كأول دولة عربية وأفريقية عام 1991م ثم توالت الدول العربية بعدها.
وفي إحصائية لعام 2017 للغات المستخدمة في شبكة الإنترنت كانت كالتالي: الإنجليزية على عرش الصدارة، فالصينية بحكم عدد السكان، ثم الإسبانية، لتحتل اللغة العربية المركز الرابع، ثم البرتغالية والإندونيسية والفرنسية واليابانية والروسية على التوالي، وأصبح التعايش بين الإنسان والشبكة شيءٌ شائع ولابد منه ينمو بشكل مضطرد مع مرور الوقت!
في الرابع من يناير 2004 أطلق موقع فيسبوك، وفي 26 سبتمبر 2006 أتيح للجميع، ثم ظهر الطائر الأزرق المسمى «توتير» شديد الاختصار في 21 مارس 2006، وفي عام 2009 ظهر المارد الأخضر الواتس آب، وتبعة صاحب الصور والحالات الإنستجرام في أكتوبر2010، أما في نوفمبر 2013 فقد أطل علينا برنامج سناب شات صاحب العثرات، وهكذا توالت مئات التطبيقات وتعددت أهدفها كشبكات اجتماعية أو مدونات شخصية أو عامة او أرشفة متاحة!
رغم جمال وسائل التواصل الاجتماعي وفوائدها على المستوى الشخصي، ولكن الطامة الكبرى تكمن في سوء فهم الأفراد أحياناً لبعضهم البعض، فبعض التغريدات أو المنشورات تحتاج لأن ترسل معها دفاعاً ومحامياً لكيلا تفهم في غير نطاقها وبراءتها.
كم من تغريدة غيرت من سلوك صديق وكم من إعجاب غيّر فكرة شخص عنك، وكم من تعليق علق صاحبه في المجهول، وكم من مواقع مشبوهة غيرت أخلاق الشباب وجعلتهم مُدمنين للمواقع الإلحادية والإباحية وأصبحت الفتيات قبل الشباب عرضة للضياع الأخلاقي، وأصبح الكلام مع الجنس الآخر شيئاً مألوفاً للبعض واستصغروا الموبقات وذنوب الخلوات، واستحوذت وسائل التواصل على هدوئنا وتأملنا وعلاقتنا وعبادتنا وتدبرنا مع ربنا.
من أكبر مساوئ استخدام هذه التقنيات الحوادث المرورية، فبسبب رسالة قصيرة كم من أرواح بريئة تزهق، وكم من نظرة في صورة جعلت الحياة قصيرة، ومن الموبقات لهذه المواقع أيضاً انتشار الشركات الوهمية التي تتسلل إلى خصوصياتك تارة بالابتزاز وتارة بالنصب والاحتيال.
ومن المصائب وجود كم هائل من المعلومات المغلوطة والخاطئة في شتى المجالات فأصبحت مواقع لنشر الأكاذيب والافتراءات وتضليل الناس، وكم من الزلات والهفوات والمقالب والسقطات في هذه المواقع!
لذلك كله أرى أن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت للأسف مواقع للتنافر الاجتماعي ولتفكك الأسر والأخلاق واختفت المودة الصادقة وروح الألفة البريئة بين الأفراد، وأصبح الكل منزوياً ومنشغلاً عن الآخرين، لا يعرف ليله من نهاره، ولا عمله من عطلته، ولا دراسته من لعبه، ولا جده من هزله، بل وأدمنها البعض إدماناً، وفي حال انقطاعها سببت للكثير التوتر والإرباك والفزع والتهور.
وأصبح المدمن لها عاجزاً عن التواصل الطبيعي مع الأفراد الحقيقيين ولا يجيد أساليب التحدث والتخاطب ولا التفكير العقلاني ولا لغة الجسد المتزنة، فضلاً عن لغته وكتاباته الهشة وأخطائه الإملائية، فتغيرت سلوكياته ومعتقداته وتقاليده وفطرته ونفسيته وعاطفته، وأصبح أقل خبرة في التعامل الحقيقي مع الأحداث اليومية.
من سلبيات وسائل التواصل الاجتماعي أيضاً التعامل الطويل مع الهواتف النقالة وخطورة الأشعة المنبثقة منها وأثرها على الأعضاء الجسمية والسلامة العقلية ولسنا بصدد ذكرها.
السؤال الذي يطرح نفسه بعد ذكر المنافع والمساوئ: هل تستطيع التوقف عن استخدامها؟ وماذا لو توقفت هي وأصبحت شيئاً من الماضي؟ ماذا لو أصبح استخدام تلك التطبيقات بمقابل مادي كبير وليس مجرد باقات وامتيازات؟
هنا أعود لأذكر شيئاً من رؤيتي المتواضعة عبر طرح عدد من الأسئلة: ما هدف وسائل التواصل الاجتماعي عموماً؟ ولماذا انتشرت بهذه السرعة وبهذه السلاسة؟ لمَ صارت متاحة للجميع بشكل شبه مجاني؟ من المستفيد؟ هل تلك الإعلانات مُجزية لتبقي تلك المواقع بهذا التوسع والانتشار؟ ومن يدفع تكاليف تلك المواقع التي تقدر بالمليارات؟ ومن الرابح منها؟!
الجواب ببساطة أننا أصبحنا كتاباً مكشوفاً لهم بكل حروفه ونبراته وسكناته وهوامشه، يعرفون أفكارنا ومعتقداتنا وتوجهاتنا، ومع كثرة الصدمات التي نتلقاها جعلونا متبلِّدين من الإحساس والشعور والتفكير والابتكار والنهوض، أصبحنا سلعة وهم البائعون، أصبحنا فئران تجارب لأبحاثهم الفكرية والعقائدية والتسويقية.
أصبح من السهل جداً عبر مواقع التواصل الاجتماعي التشكيك بالثوابت الدينية والتاريخية والوطنية وزرع الفتن ونشر الشائعات وزعزعة الأمن وتحريك الجماهير، واختلاط الحابل بالنابل، جعلونا نحزن على بضعة نفر لنتضامن معهم، في حين أن العشرات تقتل على مدار السنة ولا من يحرك ساكناً، ازدواجية في المعايير، وغياب للعدالة في التوثيق والتأثير!
ختاماً، قد يجد الكثير منا صعوبة بالغة في التوقف عن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بشكل قطعي وقد ينهار البعض عند توقفها، لكن يجب علينا التفكير والاستعداد ملياً لهذه اللحظة، وأقصد لحظة تتوقف فيها كل التقنيات لعاصفة شمسية، أو لحروب، أو لخلل فني، أو لانقطاع كابل، لكوارث طبيعية، لقرصنة، لاحتكار، لحظر، لحجب...إلخ. فكل شيء قد يتغير في لحظة!
تأكد أنه لابد من يوم وتتوقف كل هذه التقنيات التي تعرفها، وقد تظهر وسائل من التواصل أكثر تقنية وبمميزات لا تخطر لك على بال، لكنها أيضاً سيأتي يوم وتتوقف وستعود لأسلافك آبائك وأجدادك، تدرب على هذه اللحظة، توقف قليلاً بالتدرج، هيئ نفسك لهذا القرار، قد تكون هذه اللحظة قريبة جداً، هذه سنة الحياة لا شيء يدوم.
فيصل أحمد الشميري
طالب دكتوراه
كلية علوم الأغذية والزراعة
إضافة تعليق جديد