علاقتي مع طلاب المنح علاقة أصيلة قديمة امتدت قرابة ربع قرن من الزمان، خالطتهم بشتى جنسياتهم ومختلف أعمارهم وتخصصاتهم، خالطتهم هنا في المملكة العربية السعودية وفي رحاب جامعتنا العريقة جامعة الملك سعود، خالطتهم طالباً زميلاً لهم وخالطتهم موظفاً خادماً لهم، راودتني نفسي غير مرة للكتابة عنهم وعن طبيعة علاقتي معهم، وماذا حدث لي من تغيير إيجابي بمخالطتهم، وعقدت العزم قبل فترة على ذلك فاخترت بدايةً عنوانا لمقالتي ووسمته بـ«هكذا علمني طلاب المنح»، أو «هكذا تعلمت من طلاب المنح»، ثم استحسنت عنوانًا آخر لمقالتي «لله دَرُّكُم يا طلاب المنح» وأحسست أن هذا العنوان أقرب ما يكون للتعبير عما يجول في خاطري.
قبل أن ألج في صميم مقالتي يستحسن بيان معنى قولهم «لله درك» فالدر في الأصل: ما يدر أي ما ينزل من الضرع من اللبن، ومن الغيم من المطر، وهو ههنا، كناية عن فعل الممدوح الصادر عنه، وإنما نسب فعله إليه تعالى، قصداً للتعجب منه لأن الله تعالى منشئ العجائب، فكل شيء عظيم يريدون التعجب منه ينسبونه إليه تعالى ويضيفونه إليه تعالى، نحو قولهم: لله أنت، ولله أبوك، فمعنى «لله دره»: ما أعجب فعله.
وقالوا: «لله درك» أي لله عملك، يقال هذا لمن يمدح ويتعجب من عمله، وقيل: «لله درك من رجل» معناه لله خيرك، وقيل: لله درك أي لله ما خرج منك من خير.
فلله دركم يا طلاب المنح؛ إذا حادثتكم التزمت محادثتكم باللغة العربية الفصحى لأنكم تتقنونها وتتحدثون بها وتفهمون من يتحدث معكم بها، فاستقام لساني في محادثاتي كلها وما عدت أستسيغ الحديث في الغالب إلا بالفصحى، ولفت ذلك نظر بعض طلابي في محاضراتي.
لله دركم يا طلاب المنح؛ فأنتم أصحاب همة عالية في القراءة والبحث والمناظرة، استلم طلاب المنح كتاباً لشيخنا العلامة ابن باز في التعليق على صحيح البخاري يقع في أربعة مجلدات، وبعد أسبوعين قابلت أحدهم وسألته ماذا فعل بعد استلامه للكتاب، فقال: يا دكتور قرأت مجلدين. لله درك؛ قرأتَ أنتَ مجلدين وأنا لم أفتح بعد الغلاف البلاستيكي الذي تم تغليف الكتب به، فاستحييت وكان هذا الموقف عظة بليغة لي، وبعدها كنت أسابقهم وأتنافس معهم في إنهاء المتون وقراءة الكتب، ومثل ذلك استدراكات وتنبيهات تأتي من بعضهم سريعة جداً بعد توزيع بعض الكتب بيوم أو يومين، فسبحان من بارك لهم في أوقاتهم وأعانهم على الاستفادة منها.
أما عنايتهم بكتاب الله تلاوة وحفظاً - وكان حق ذلك أن يقدم ولا يؤخر - فشيء عجاب، ولذة وجدوها فارتاحت نفوسهم، إذا ترافقنا معهم في رحلة رأيت في جيب بعضهم مصحفاً، أو فتح المصحف من جواله وتسمعه يترنم بكتاب الله طوال الوقت، وبعضهم انزوى وتخفى ليراجع ورده ومحفوظه، إذا اتصلت ببعضهم بعد الفجر ولم تجد إجابة إلا عند السابعة اعتذر إليك وأخبرك أنه يتعاهد كتاب الله بعد الفجر، همة عالية ونفوس أعلى، فماذا أكتب؟! وماذا أذكر؟! وماذا أترك؟!
أنتم يا طلاب المنح في زماننا هذا خير من يمثل ما ذكره المحدثون في كتب أهل الحديث تحت عنوان «الرحلة في طلب العلم»، جمعتني بكم مواقف كثيرة جداً، منها المؤثر، ومنها الطريف، ومنها العفوي، ولا يسع المجال لذكرها في هذه العجالة.
لله درُّكم يا طلابَ المنح، فأنتم مِنحٌ من الله، وشكر الله لحكومتنا الرشيدة على عنايتها الفائقة بطلاب المنح وبالمسلمين عامة من خارج المملكة، وشكر الله لجامعتنا ولمديرها ووكلائها ولإدارة المنح وللصندوق الخيري ولجميع من خدم طلاب المنح.
ولله دركم يا طلاب المنح، وتقبلوا تحيات محبكم وخادمكم ،،، تيسير.
د. تيسير أبو حيمد
ثقافة إسلامية
إضافة تعليق جديد