نستطيع بالقراءة أن نخلق مع الكتاب والمفكرين صداقة نحس بفضلها، ونشعر بوجودها، وهذه الصداقة تأخذ طابعاً خاصاً، فالقارئ أخذ من صديقه المؤلف أحسن وأجمل ما عنده، لأن المؤلف لا يكتب في كتابه إلا كل ما فيه فائدة أو إنتاج يُحمد له؛ في حين أننا في صداقتنا العادية مكلفون –ولا حيلة لنا في ذلك –أن نسمع من أصدقائنا الذين نعيش معهم الجميل والقبيح والنافع والفاسد من أفكارهم وتخيلاتهم دون استئذان، فكأن القراءة تخلق نوعاً من الصداقة أعلى قيمة من صداقتنا العادية.
في القراءة إزالة لفوارق الزمان والمكان، فنعيش في أعمار الناس جميعاً ونعيش معهم أينما كانوا وأينما ذهبوا، بالإضافة إلى ذلك القراءة سياحة للعقل البشري بين رياض الحاضر وأطلال الماضي، لأن فيها نقلة من عالم ضيق محدود الأفق إلى عالم آخر أوسع أفقاً وأبدع غاية.
إن القراءة هي الوسيلة الوحيدة التي تصل بالإنسان إلى قمة الوعي والإدراك، وتصنع منه فصيحاً ومتحدثاً وكاتباً ومفكراً، والشعوب التي لا تقرأ لا تصنع حضارة أبداً، ورغم الانفجار المعرفي والمعلوماتي الذي يشهده عالمنا المعاصر ومهما أبحر الناس في فضاء الإنترنت والقنوات يبقى الجلوس بين يدي الكتاب له طعمه ومذاقه الخاص، ولا يزال الكتاب يحتل مكانة مرموقة بين مصادر المعرفة.
إن عالمنا اليوم ينظر للقراءة بنفس الأهمية التي ينظر بها للكلام والمشي، والقارئ الذي يقرأ ويفهم ما يقرأ بسرعة، يمكنه أن ينجز من الأعمال أضعاف ما ينجزه القارئ العادي.
والقراءة ليست هدفاً في حد ذاتها، وإنما هي الوسيلة الأولى للتعلم والمعرفة والتفاعل الإيجابي، خاصة إذا ما اعتمد المربون على صيغة دائمة للتفاعل الإيجابي مع الأبناء من خلال القراءة بالمناقشة والتحليل وتبادل الرأي والتعليق على ما يقرؤه الابن.
أبنائي وبناتي الطلاب والطالبات:
تتباين طرق القراءة باختلاف المادة المقروءة، فالمقالة تقرأ بأسلوب، والكتاب له أسلوب، والتحقيقات لها أسلوب مختلف، لذا لا يصح أن تقرأ جميع المواد بطريقة واحدة، فتبدأ من أول كلمة وتنطلق نحو آخر كلمة بخطى بطيئة متثاقلة، فتتوقف في منتصف الطريق وربما قبل ذلك ضجراً ومللاً، فما الحل؟
أولاً: عند شراء الكتاب – أو ما تريد قراءته – أو استعارته لابد أن تقرأ اسم الكتاب والعناوين الفرعية له، ثم تقرأ الفهرس، وتنتقي بعض الصفحات وتقرأها حتى تأخذ فكرة سريعة عن الكتاب، بعد ذلك تقدم على الشراء أو الاستعارة.
ثانياً: تدرج في القراءة، فلا تبدأ بالكتب الكبيرة الممتلئة بالمصطلحات المعقدة، واستمر في القراءة، لأن الانقطاع يسبب خمولاً قد يعيدك إلى ما كنت عليه قبل القراءة، وتذكّر أن القراءة رياضة العقل.
ثالثاً: الجلوس بشكل قائم في مقعد أو خلف مكتب مع الالتزام بمكان منتظم للقراءة في مكان جيد التهوية والإضاءة يخلق لك قراءة جادة ونافعة.
رابعاً: تدوين الملاحظات، ووضع العناوين الجانبية للأفكار الرئيسة يقود إلى قراءة واعية ومركزة.
خامساً: لا تذهب إلى القراءة وأنت في حالة غير مستقرة، فإن عملية الاستيعاب تعتمد بدرجة عالية على مقدار حضورك الذهني.
سادساً: احرص أن تقرأ وأنت بشوق ومحبة للقراءة، فقراءة الراغب المحب ليست كقراءة المكره المضطر، واجعل عقلك ومشاعرك وعواطفك تدفعك إلى القراءة.
وأخيراً القارئ الجيد يحدد هدفه من القراءة قبل البدء في مشروعه، وحينما ينتهي من ذلك المشروع لا ينهي علاقته به، بل يعمد إلى تثبيت ما قرأه بالمراجعة.
د. محمد النمي
وكيل الجامعة للشؤون التعليمية والأكاديمية
إضافة تعليق جديد