بخيالها الواسع، وبأسلوبها الأسطوري في كتابة الراويات التاريخية، ودقتها بالبحث عن التفاصيل والأمكنة، كتبت مارجريت جورج – والتي تُعد من أفضل كتاب الراويات التاريخية- روايتها الملحمية الثالثة “مذكرات كليوباترا” وسَطرت في 986 صفحة مذكرات ملكة النيل بأسلوب السير الذاتية وإنطاق الشخوص، وهي التي أنطقَت من قبل هنري الثامن في الرواية التي تحمل اسمه، الصادرة عام 1986، وأيضًا رواية الملكة ماري ملكة اسكتلندا عام 1992.
وفي رواية “مذكرات كليوباترا” التي أُخرجت كفيلم سينمائي عام 1999، تحكي كليوباترا حكايتها بنفسها منذ كانت في الثالثة من العمر وحتى موتها، في مشهد ثريٍّ باللغة الشعرية المتدفقة.
وفيما يلي ترجمة لمقدمة الفصل الأول من مدخل الرواية:
بلسان كليوباترا
الدفء، الرياح، الماء الأزرق المتراقص، صوت الأمواج، أرى وأسمع وأشعُر، إنهم بمنتهى السكون، حتى إنني أحسُّ بلسعة الملح على شفَتي التي تغطيها طبقة رقيقة رطبة من الرذاذ، بل الأكثر من ذلك شعوري بالهدهدة والنعاس من رائحة بشرة أمي التي ضمتني لصدرها، وظلَّلت على جبيني بيدها لحماية عيني من شعاع الشمس، ومع الاهتزاز اللطيف للقارب وهدهدة والدتي، ظللتُ أتأرجح بإيقاع مزدوج سبَّب لي النعاس، وبطغيان صوت الماء المتدفق حولي، وضعني ذلك بشعور يلفني بالأمان ويضعني في مهد من الحب والحماية مازلت أتذكر، مازلت أتذكر.
غرق أمها
تشتتَت بعد ذلك ذاكرتي، انقلبَت، جنحَت كما القارب، أمي اختفت، وأنا بدأتُ أهوي في الهواء، في الوقت الذي أمسكَت بي أيدي أخرى قاسية، لعلَّ أقواها ما أمسكت بجذعي؛ مما جعلني بالكاد أتنفس، ونضح الماء.. لم أزل أسمع صوته والصراخ الذي أخذنا على حين غِرة.
يقولون إنَّ الأمر كان غريبًا، لم أكن قد تجاوزتُ الثالثة من العمر عندما غرقَت أمي في المرفأ، في حادثة فظيعة, خصوصًا في يوم هادئ، كيف يحدث ذلك؟ هل عبث أحدهم بالقارب؟ هل دفعها أحد ما؟ لا، كل ما في الأمر أنها تعثَّرت عندما أرادت الوقوف، وأنتم تعلمون أنها لا تجيد السباحة. لا، لم نكن نعرف ذلك حتى انقضى الأمر، لماذا إذًا كانت تحب الذهاب للبحر دائمًا؟ كانت تحبه، بروحها البائسة، الملكة المسكينة كانت تحب الأصوات والألوان.
طفل خائف
زرقة الماء الساطعة والمستديرة حجبت مظاهر الرعب، بهدير الماء وأقواسه العالية، وبصراخ النساء على القارب، قالوا إنَّ هناك من قفز للنجدة ولكنه غرق أيضًا فأصبح الضحايا اثنيْن بدلًا من واحد، قالوا أيضا إنني كنت أخدش وأرفس وأحاول اللحاق بأمي، أصرخ من الخوف والفقدان، ولكن بسرعة أمسكَت بي مربيتي وقيدتني بقوة.
أتذكر أنني دُفِعتُ على ظهري وقُيدت ممددة، محدقةً إلى الانعكاس المبهر للأمواج أسفل مظلة القارب، غير قادرة على التخلص من قيودي.
لا أحد يواسيني كما هو متوقَّع لطفل خائف، صُبَّ كل اهتمامهم على منعي من الإفلات، قالوا إنني لا أستطيع تذكُّر ذلك أيضًا، ولكني أتذكر كيف تُخلي عني، وكيف كنتُ عُرضة للأذى على ذلك القارب منتزعة من ذراع أمي وأُدفَع الآن للأرض، في الوقت الذي ينطلق القارب سريعًا إلى الشاطئ.
إضافة تعليق جديد