حوار: محمد باكرمان
يواصل د. بدر بن عادل الفقير، الأستاذ المشارك بقسم الجغرافيا اهتماماته البحثية بالشأن السياحي الوطني وتأصيل موارده السياحية، وهو في هذه المرة يوسع حدود أبحاثه الميدانية التقليدية في محافظة العلا، إلى منطقة الشمال الغربي، ليعرض للقُرَّاء بانوراما أسطورية لأيقونات الطبيعة من مسارح الملاحم البرية والبحرية في كلمة ولوحة وخريطة، من خلال كتابه الجديد «روائع التراث الطبيعي في شمال غرب المملكة العربية السعودية» والذي نتعرف عليه من خلال هذا الحوار مع المؤلف.
- حدثنا بدايةً عن فكرة الكتاب وأبرز أهدافه.
يسعى الكتاب لتجسيد الجانب الجمالي للمناظر الطبيعية في منطقة شمال غرب المملكة العربية السعودية، وتكريسها كمادة للمتعة والتأمل، فظاهرات المسرح الجغرافي في هذا الجزء الغالي من الوطن تُناغم بين الجلال والجمال، جلال وهيبة أبعادها الطبيعية في ارتفاعها واتساعها وحجمها وآفاقها الممتدة، وجمال ودقة تقنياتها في نحتها وتناسقها وتفاصيل أشكالها وتصاميمها.
ويهدف الكتاب لتحفيز تدفق المشاعر لولادة حالة تمييز حسي بالجمال الطبيعي، بأمل ترقيتها إلى حالة سمو ذهنية موحية بالابتهاج بثروات الوطن، وتعزيز الشعور بالاعتزاز بالهوية الوطنية وترسيخها.
- ما شرائح القُرَّاء التي استهدفها الكتاب؟ وأين نقاط بيعه؟
بعد أكثر من عقد من الترحال والبحث والتصوير الميداني، أقدم هذا الكتاب للمتخصصين وللجمهور بشكل عام، كهدية لمن لم يحظ بترف زيارة ومشاهدة مواقع وطنية استثنائية ومتفردة، قد يصعب الوصول إليها، منتشرة على مساحة تقدر بنحو 200 ألف كم2.
يباع الكتاب لدى فروع مكتبة جرير في الرياض وجدة والدمام، كما يعرض بسعر خاص للأساتذة والطلاب لدى الجمعية الجغرافية السعودية بقسم الجغرافيا.
- ما منهج الكتاب ومم يتكون؟
اعتمد منهج البحث على استقراء جزئيات الظاهرات الطبيعية والمقايسة بينها، وإضاءة مكامن الجمال فيها، بدعم سخي من وسائل الإيضاح التي تعبر عنها ببلاغة عالية كل من الخرائط والأشكال الجيولوجية والتضاريسية العامة والتفصيلية والمرئيات الفضائية والصور الجوية والأرضية.
يتكون الكتاب من 500 صفحة تضم 344 لوحة فوتوغرافية و42 شكلاً وخريطة، وملاحق للمصطلحات والمراجع، ويوميات فريق العمل، والمشاريع الإنمائية الكبرى في منطقة الشمال الغربي.
يتألف المتن الأساسي من جزئين رئيسين، يبحث الجزء الأول في مشاهد الجيولوجيا والمناخ والأحافير في المملكة العربية السعودية، فنظراً لاعتبار منطقة الدراسة تعد جزءاً وثائقياً ونموذجًا مصغراً من الجغرافيا الطبيعية للمملكة العربية السعودية التي كانت جزءاً من جغرافية أقدم قارات العالم «جندوانا» فقد تم البدء بمرافقة رحلة كوكب الأرض عبر المكان والزمان: مولدها، وتوليف طبقاتها، ومراحل زمنها الجيولوجي العتيد، بأحداثه العظمى البنائية والأحيائية البحرية والبرية، ومناخها في الماضي والحاضر، وآلية تصميم تضاريسها.
أعقب ذلك رصد الطواف طويل المسافة لجزيرة العرب عبر العالم في الدهور الجيولوجية، وتخطيها لعشرات دوائر العرض ذهاباً وإياباً، وفحص قلب الأرض ببنوكه الصخرية الثرية في جناحيه العظيمين: الدرع العربي الوعر، والرصيف «الرف» العربي السهل، وتتبع مراحل الحدث الأخدودي الأكبر بشق حوض البحر الأحمر، وآثاره القارية، بفصل جزيرة العرب عن قارة إفريقيا، ومزج مياه المحيط الهندي بمياه البحر الأبيض المتوسط، ورصد النيران السائلة المتدفقة مع ثورانات البراكين، وما بدلت به وجه الأرض بتضاريس عملاقة، وتقصي تبدل سمات الشخصية المناخية بين الماضي الرطب والحاضر القاحل، وقراءة الفصول المثيرة في سجلات الحياة الموت الأحفورية لبعض الكائنات الحية، لما عاش منها، وما انقرض.
ويحتفي الجزء الثاني بروائع التراث الطبيعي في شمال غرب المملكة العربية السعودية في البر والبحر، ولتمكين القارىء من استيعاب وتذوق وتقييم درجة الجمال الطبيعي للظاهرات المختلفة الذي يبدأ من إدراك أسرار تكونها وتطورها وتوزيعها على السطح، كان لا بد من تفصيل ما فعلته قوى عاتية في القلب منها السريع كالزلازل والبراكين، والبطيء كالالتواءات والانكسارات، وطبيعة التركيب الصخري، ونُظم تجانس الطبقات وبنيتها، وقوى مكتسحة على السطح، أبطالها من الجليد والرياح والمياه، والتي أبدعت مجتمعة جغرافيا سحرية، تعرض مسارح لكنوز الطبيعة وأعاجيبها من وجهة نظر العلم والفن والتاريخ في معالم برية وبحرية خالدة؛ تشمل قمم الجبال المهيبة، وفوهات البراكين، والخوانق النهرية السحيقة، ومستعمرات الرمال العظمى، ومعارض الفنون النحتية بمدارسها الانطباعية والتجريدية «السريالية»، والشواطىء الذهبية، والجزر العذراء والمياه اللازوردية بأحيائها النادرة وشعابها المرجانية، وحدائقها الاستوائية الغاطسة.
مع التنويه لما أوحت به الحجارة للإنسان لصلابتها وديمومتها، لبناء بيوته ومعابده وأضرحته، وما ألهمته له من إبداع فني لتوثيق تاريخه ومظاهر حياته وبيئته عبر نقوش الرسوم والكتابات على واجهاتها.
- ما الجانب التطبيقي للكتاب؟
إن نجح الكتاب بحول الله في إقناع القُرَّاء بإطلاق حكم جمالي تذوقي على ظاهرات الإرث الطبيعي الباذخ وهو ما يعتبر- قلب التجربة الجمالية الطبيعية – فإن بُعداً جغرافياً كامناً ينجلي بين الإنسان ومحيطه الطبيعي، يمكن تفعيله، من شأنه أن يقوي العلاقة بينهما، ويحفز على مواقع الإبهار في الآفاق الطبيعية، للفائدة والمتعة الشخصية، ويؤسس لنشاطات جديدة للسياحة البيئية الإقليمية في مسرح جغرافي واسع، يعود فيها الإنسان إلى أحضان الطبيعة التي أُهملت وبُخِست قيمتها وسط ضجيج وأضواء المدن وحصار الشاشات والمشتتات.
ويكون ذلك في الوقت نفسه مدخلاً لحماية البيئة من أشكال التلوث والتدمير، وهو المسار الصحيح الذي سيرتقي بمستوى الصحة البيئية المستدامة، ويستعيد آليات توازنها، ويحفظ للأجيال المعاصرة والقادمة حق الاستمتاع بهبات طبيعة وطنهم.
ومن توفيق الله عز وجل أن يتزامن صدور الكتاب، وهو ينتقي ويعرض مظاهر عبقرية المكان الجمالية والجيولوجية والجغرافية والبيئية المجيدة التي تعد سجلات وثائقية حية لذاكرة الأرض، مع اختيار الموقع وما حوله لأربعة مشاريع سياحية وتنموية وعلمية وبيئية عملاقة، خُصص لها ملاحق خاصة في الكتاب، وهي مشاريع: «الهيئة الملكية لمحافظة العلا» لتحويلها لوجهة سياحية عالمية ومركز نمو اقتصادي إقليمي، و«مشروع نيوم على خليج العقبة» الذي يتضمن تشييد مدينة ذكية صديقة للبيئة بقدرات تنافسية عالية في نمط المعيشة وتعدد الفرص الاقتصادية، و«مشروع البحر الأحمر»، حيث سلسلة المنتجعات السياحية الفاخرة بمفهوم جديد للسياحة والفندقة على العقد الفريد من الجزر العذراء، و«مشروع محمية الأمير محمد بن سلمان البرية والبحرية» الرابطة بين المشاريع الثلاثة للحفاظ على الصحة البيئية وإعادة توطين الحياة الفطرية الحيوانية والنباتية وتجهيز مواقع للتنزه الخلوي.
- حدثنا عن تطلعاتك وأمنياتك تجاه هذا الكتاب الجديد.
أتطلع وآمل أن يساهم الكتاب في ترجمة مواهب المناطق المذكورة الطبيعية والأحيائية والثقافية، إلى أدوات إنتاج وعناصر نمو، وحُزم سلع وخدمات، من المأمول أن تساهم في تحقيق رؤية 2030م، في تقليص الاعتماد على النفط وتنويع مصادر الدخل وزيادة الناتج المحلي الإجمالي.
إن تذوق تجربة الجمال الطبيعي التي اجتهد الكتاب في تهيئتها، والعوائد والمردودات المتوقعة للمشاريع المذكورة في الميادين الاقتصادية والسياحية والبيئية، ليست مجرد رأي يلخص بعبارات «ياله من رائع!» أو «ياله من جميل!» فحسب، بل لأن تلك التجربة والفوائد تعد بما يُجَذِّر الانتماء ويُحَفِّز الطمأنينة بأن أرضنا هي المكان الصحيح والملائم لتشغيل طاقاتنا وتحقيق تطلعاتنا، ويُحَسِّن في الوقت نفسه من ترتيبنا في السباق الحضاري الأممي في القوائم الدولية لليونسكو عبر مضاعفة أرصدة مواقعنا الطبيعية والثقافية المبهرة المهداة للإنسانية جمعاء.
- ما مشروعك البحثي القادم؟
بحول المولى سبحانه وتعالى، سأواصل البحث الميداني في منطقة الشمال الغربي، وكتابي القادم سيكون قراءة في التراث الثقافي القديم للمنطقة عبر رصد الفنون الصخرية «المنشآت الحجرية، الرسوم، المنحوتات، والكتابة» في عصور ما قبل التاريخ والعصور التاريخية، وبذلك أكون آنذاك، قد أكملت عقد البحوث الميدانية في المنطقة بالكشف عن مكامن الجمال الطبيعي وجلاء القيم الآثارية النفيسة وفتح آفاق واسعة لكل أنماط السياحة البيئية والثقافية.
إضافة تعليق جديد