يعد الوطن الشجرة المثمرة التي تنمو بالتضحيات وتسقى بالعرق والدم، فالوطن من أغلى ما يملك الإنسان، وهو مهد الصبا وملجأ الكهولة ومنبع الذكريات وموطن الآباء.
ولا يقتصر حب الأوطان على مجموعة بعينها أو زمن محدد، وقد ضرب رسول الله «صلى الله عليه وسلم» المثل في حب الأوطان، حيث خاطب مكة المكرمة مودعًاً فقال «ما أطيبك من بلد وأحبَّك إليَّ». كما أنه أثناء الهجرة إلى المدينة اشتد شوقه صلى الله عليه وسلم إلى مكة فخاطبه الله مطمئنا بقوله تعالى «إنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَاد».
وعندما استوطن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، المدينة، ألفها وكان يدعو فيقول «اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد»، وقد اقتدى رسول صلى الله عليه وسلم، بأبي الأنبياء إبراهيم عيله السلام في حب الوطن، قال تعالى «وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ». فقال رسول الله «اللهم إن إبراهيم عبدك وخليلك ونبيك وإني عبدك ونبيك وإنه دعاك لمكة وأنا أدعوك للمدينة بمثل ما دعا لمكة ومثله معه».
ومن دعاء إبراهيم ومحمد عليهما السلام لمكة والمدينة يكون حب الوطن من الإيمان، ولهذا جعل الله تعالى الدفاع عن الوطن واجبًا محتومًا ضد أي اعتداء مهما كان صغيرًا، كما يجب الوفاء للوطن وعدم خيانته.
وقد اقترن حب الوطن في القرآن الكريم بالدين قال تعالى «لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ». وبحب النفس قال تعالى «وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِّنْهُمْ».
كل هذه رسائل في حب الوطن من رسول الله صلى الله، ومن قبله إبراهيم عليه السلام، فيجب الاقتداء بهما،، قال الله تعالى «لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو الله وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا». وقال أيضًا «لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ».
أ. د. جمال الدين إبراهيم هريسة
كلية الصيدلة
إضافة تعليق جديد