الانضباط الذاتي هو السمة الأولى التي تقوم عليها حياة الإنسان العملية, فبدون هذا الانضباط لا يمكن للمرء أن يحقق أي نجاح يذكر في حياته، والانضباط نعرفه كثيرا في المفهوم الشعبي باعتباره «ضبط النفس أو السيطرة عليها» كما جاء في الأثر «الجهاد الأكبر هو جهاد النفس».
وقمع الذات يمثل الخطوة الأولى والأخيرة لتحقيق النجاح في الحياة, لأن التراجع والتهاون والتسويف من سمات الإنسان الأساسية, فترك النفس على هواها عمل مريح ومربح على المدى القصير.
فإذا كنت في «جلسة أو سهرة» ممتعة ولكن عليك أن تستيقظ مبكراً في اليوم التالي لأمر هام؛ فأنت أمام خيار ترك النفس على هواها والاستمتاع بالمكاسب الفورية التي تحققها من هذه السهرة, أو أن تخالف هوى نفسك وتفرض عليها الالتزام بالواجب وترك المتعة المؤقتة إلى ما هو أهم منها, أيضاً الهروب من مواجهة المواقف الصعبة قد يعطينا راحة فورية, ولكننا سندفع الثمن باهظًا على المدى المتوسط والبعيد, لأن المشكلة لم تحل.
في هذا السياق لا يمكن أن نغفل دور الضجر والملل الذي يصيب الناس من أداء الأعمال, حيث ينسى بعض الناس أن الملل هو جزء أساسي من أي عمل نقوم به, فكثير من الفاشلين في حياتهم يعود فشلهم إلى عدم القدرة على تحمل أو علاج الملل, فهذا النوع من الناس تراه يبدأ فكرة أو مشروعًا، ولكن بعد فترة قصيرة يدب الضجر في روحه فيترك المشروع وينتقل إلى مشروع آخر، أو يترك ما بدأه ويستدير باحثًا عن طريق آخر يوصله إلى القمة لأنه لا يريد من أي مشروع إلا الجانب الممتع فيه, بينما لا يوجد عمل في الدنيا لا ينطوي على جانب ممل فيه.
هناك حالة أخرى تستحق التأمل وهي عملية التبرير وهذه توجد بوضوح عند «أنصاف المثقفين», وحياتنا مليئة بأمثلة كثيرة من هذا النوع, أعرف زميلاً على سبيل المثال يحول أخطاءه وفشله إلى فلسفة وموقف ثقافي أو فكري، فإذا نال إنذارًا من مديره على كثرة تأخره في العمل يأخذ في ترديد مقولة «إن العمل بالإنتاج لا بالحضور, من المفروض أن يُقيَّم الإنسان بإنتاجه لا بحضوره».
وهو في واقع الأمر لا يريد أن يحضر ولا يريد أن ينتج, وإذا عجز عن ضبط ابنه ومنعه من التأخر والسهر خارج المنزل قال «إن التربية الحديثة تفرض ألا نكبت أطفالنا بل علينا أن نزرع فيهم الثقة ونمنحهم حريتهم». وهكذا فبدلاً من مواجهة الفشل والتصدي له يتحول هذا الفشل إلى فلسفة تستحق الدفاع عنها.
ولكن ما الذي يجعل الناس غير قادرين على تحقيق الانضباط الذاتي ومواجهة دواعي تدميره؟ هنالك ثلاث عقبات أساسية لذلك وهي:
- تدليل الوالدين: وهو الدلع غير المبرر, فالمدللون في حياتهم لا يعرفون كيف يحرزون النجاح عبر العمل الجاد, فقد كان آباؤهم يقومون بكل شيء نيابة عنهم، ولكن عندما يدخلون معترك الحياة الحقيقية لا يجدون آباءهم إلى جانبهم للقيام بالأعمال نيابة عنهم كما كان يحدث في الماضي.
- النزعة للكمالية: فإذا عجز المرء أن ينجز عمله بصورة مثالية فلن يعمله أبدًا, فالتفوق الباهر هو كل شيء إما كل شيء أو لا شيء البتة.
- الشعور بالنقص: حيث إن كثيرا من الناس لا يفرق بين الشعور بالنقص وبين كونه ناقصًا, لأنه ليس هناك شخص ناقص وإنما هناك فقط شخص أدنى من الآخرين في مهارة معينة, فإذا كنت لا أستطيع أن أسابقك في الجري فأنا أقل منك في العدو فقط, ولكن ليس من داعٍ أن أشعر بالنقص أو أشعر بأني إنسان ناقص, لا تنافس الآخرين فيما هم أفضل منك فيه لأنك أنت أفضل منهم في جوانب أخرى.
بعض التقنيات الأساسية الكفيلة بمساعدتنا على تجاوز ضعف الانضباط الذاتي: تحديد الهدف، معرفة الألم والمتعة، التعود على مواجهة المشاكل، مراجعة القيم والمبادئ، التخلص من العادات، التعرف على نواحي القوة والضعف في الذات، والتعلم من الأخطاء.
المراجع:
- مقالة الأستاذ عبدالله بن بخيت من كتاب «لكي تنجز أهدافك» بتصرف.
- مقالة «الانضباط الذاتي» بقلم تيم كلمير، من نشرة النخبة، العدد 60، بتصرف.
د. منى عبدالله السمحان
كلية الدراسات التطبيقية وخدمة المجتمع
قسم العلوم الإدارية والإنسانية
إضافة تعليق جديد