إنه اليوم الخامس من شهر أكتوبر والذي وافق هذه السنة 2019 يوم السبت، والوقت هو الثامنة صباحًا، والمكان جامعة الملك سعود شطر الطالبات فرع «عليشة».
لقد حجزت لصغيرتي - بنتي البكر - مقعدها من اختبار قياس لمرحلة الثانوية العامة في جامعة الملك سعود «عليشة» على وجه التحديد لنية في نفس يعقوب قضاها.
لم تكن صبيحة ذلك اليوم ككل الأيام، فلقد سرنا في طريق انقطعت عنه منذ سنوات ولكني اعتدت سلوكه سنوات عدة، غير أنه لصغيرتي طريق بعيد ممتد إلى مالا نهاية تراه لأول مرة فبادرتني ببراءتها المعهودة: «ماما شغلي -قوقل ماب-»، فقلت لها يوجد في قلبي - قوقل ماب - من نوع آخر، إنه يعرف هذا الطريق جيدًا يا صغيرتي ولا يكاد ينساها.
وصلنا عليشة دخلنا في زحام سيارات إنه الزحام الذي أعهده عند بوابتها المكتظة بالطالبات، لقد كانت البوابة المذكورة للدخول هي بوابة رقم2، ولكن بطريقة ما بدأنا من بوابات عدة في كل نظرة لكل بوابة تشرق عيني على كم هائل من الذكريات، نعم إنها البوابة رقم1، بوابة «الذكري المقدسة» تلك البوابة التي دخلت من خلالها أحمل ملف –علاقي أخضر- إنه ملف الثانوية العامة لأسجل بجامعة الملك سعود لمرحلة البكالوريس؛ فأخرج من هذه البوابة أبحث عن والدي - أطال الله في عمره ومنحه الصحة والعافية - بين رجال كثر وسيارات عدة لا يوجد لدي أدني معرفة أين يكون؟ غير الوقوف عند النقطة التي نزلت بها من سيارته، وقفت وإذ بوالدي ينتظرني، والشمس عمودية تمامًا فوق رأسه، هرولت إليه وأنا أحمل ورقة بها خانة توقيع موافقته على التحاقي بهذه الجامعة؛ لعام 1415هـ وقع في الخانة المحددة ثم عدت مرة أخرى بين الزحام في عز الحر، بين المباني الشاهقة الممتدة والأروقة المتداخلة لأعود متوجة بورقة القبول تحمل رقمًا جامعيًا حفظته عن ظهر قلب قبل أن أحفظ سجلي المدني ذاته، ابتسمت لتلك البوابة بوابة الأمل والطموح التي خرجت منها بورقة شهادة بسجل ميلاد جديد داهمت تلك الذكري عبارات صغيرتي: ماما زحمة وقرب وقت الاختبار!
نحن لم نقف يا صغيرتي ولكنها ذكرى الأماكن من استوقفنا زمنًا روحيًا، وليس برهة، سرنا خلف السيارات حتى إذا ما وصلنا بوابة2، دخلنا صالة الدخول وإذا بسيل عرم من الصغيرات ومرافقاتهن.
سمحت قائدة الأمن والسلامة بدخول الطالبات فقط إلى الحرم الجامعي والمبنى المخصص للاختبار وبقيت الأمهات والمرافقات في صالة البوابة، وأنا منهن نظرت من خلال الشباك الزجاجي للصالة المطلة على ساحة الحرم الداخلية إنه مبنى «24» حبست كلمات تقافزت على لساني عبارات: أريد أن أقول لقائدة الأمن والسلامة: أرجوك اسمحي لي بالدخول لساحة الحرم الجامعي إنني على «موعد مع الذكريات» فخشيت أن تتهمني بالجنون.
استجمعت كلي وخرجت خارج الصالة من جهة ساحة السيارات قبل الطريق الرئيسي استنشقت هواءً ليس كهواء الصبح المعتاد، إنه هواء محمل بالذكريات استنشقته بعمق شعوري مؤرخ بتاريخ 1415 إلى تاريخ 1431 معنون بـ«بكالوريوس - ماجستير - دكتوراه»، إنه هواء يصافحني بيده المعطرة بعطر الذكريات العطرة، نظرت إلى السماء وإذا بخيوط الشمس الساطعة تحتضنني بكل الدفء.
إن شروقها يبتسم لذكريات النور المذهبة، والذهبية، إنها تعكس ظل قامة مباني شامخة وكأني أراها ترفع رأسها حين أبصرتني ويخيل لي أن شبابيكها عيون يشدها نظر المترقب لحبيب غائب.
يا إلهي، عميق هو شعور الذكريات، وكم هو ملهم حنين الوقوف على أطلالها، وحين يكون موعد اللقاء بهذه الذكريات في يوم «5أكتوبر اليوم العالمي للمعلم»، هذا المعلم الذي درسني بهذه الجامعة منذ البكالوريوس وحتى الدكتوراه، وعلى أطلال ذكرى المكان الذي جمعني بمعلمي ومعلماتي على مقاعد الدراسة.
أقول لهم شكرًا من الأعماق، بصماتكم ترافقني، في كل ثنايا، حياتي الفكرية والعملية، ولمعلميَّ الذين وفدوا من البلاد المجاورة ليشاركوا أساتذتي في بنائي الفكري، أقول لهم إن هذا الوطن المبارك لم يعلم أنباءه غير الوفاء والشكر لمن يأتون ضيوفاً على أرضه، فشكرًا لكم، دعواتنا لم تنقطع البتة.
ولهذه المباني التي كبرت وشاخت، أقول: حب هذه الجامعة في قلبي، نعم يكبر، نعم يشيخ، ولكنه لا يموت، لأن العمر الذي قضيته بـ«جامعة الملك سعود» هو «عمر من العمر» وأجمل سنوات العمر.
د. فضة بنت سالم العنزي
خريجة كلية التربية قسم الدراسات الإسلامية
إضافة تعليق جديد