كنت أراقب ابني عن كثب وهو يلعب بشغف إحدى الألعاب الإلكترونية الحديثة، لأتعرف على سبب هذا الشغف والحب لهذا العالم الافتراضي الذي يكاد لا يخلو حديث بيني وبينه إلا وأقحم فيه شخصيات اللعبة التي يلعبها.
وما شد انتباهي هو مشاهدته لفيديو عقب انتهاء اللعبة لشخصية من شخصيات هذه اللعبة قد صممتها إحدى الشركات الاصطناعية كروبوت قام في الفيديو بعمل حركات كاملة تحاكي اللعبة تماماً، حتى أنني شككت في أنه روبوت وأخبرت ابني بأنه إنسان يرتدي البدلة للشخصية المعروفة في هذه اللعبة.
ولكن سرعان ما خاب حدسي وظني حينما وجدتها شركة عالمية تعرض مهارات الروبوت في معرض كبير أمام جمهور كبير تستعرض فيه ما وصلت إليه من تقدم وتقنية اصطناعية في صناعة الروبوت أو ما يسمى بالذكاء الاصطناعي.
هنا أدركت ما نحن فيه من فجوة بين الرياضيات والتي هي أساس الذكاء الاصطناعي بما فيه من برمجيات وإحداثيات للحركة ومعادلات لحركة الروبوت، وبين تعلمها وتدريسها وتكوين اتجاه إيجابي نحو دراستها لدى طلابنا، ليكون لديهم دافعية قوية لتطويرها وربطها بالتطبيقات العملية، هذه الفجوة الشاسعة بين التقدم المذهل الذي استطاع أن يربط بين النظرية والتطبيق والطفرة اللامتناهية في التطور لما يسمى بالذكاء الاصطناعي والرياضيات التي نعلمها لطلابنا.
أصبحت تطبيقات الذكاء الاصطناعي الحياتية تُدَرس من خلال مناهج الرياضيات في معظم الجامعات العالمية وتكون الرياضيات أساس بناء الذكاء الاصطناعي ببرمجياته واستخداماته وتطبيقاته، نحتاج في هذه النقطة بالذات أن نقدم لطلابنا الرياضيات بفكر جديد وبأسلوب مغاير بعيداً عن التنظير الذي أتقنته معظم جامعاتنا العربية وأخرجت منه علماء وفلاسفة في العلم نفسه، بل علينا تعويد أولادنا منذ الصغر على حب الرياضيات وتكوين اتجاه إيجابي نحوها بمراحل التعليم المختلفة ليكون حصاد ذلك في جامعاتنا.
إن حصول العديد من طلاب المملكة على المراكز الأولى في مسابقات الرياضيات العالمية دليل قوي على وجود موهوبين وفائقين في هذا العلم، فلماذا نحرمهم من الإبداعات التطبيقية له في الذكاء الاصطناعي أو غيره وهم يمتلكون الموهبة في الرياضيات وحب الاختراع والابتكار أيضاً.
إن مهمتنا ستكون صعبة جدًا حينما تتسع الفجوة بيننا وبين العالم الخارجي زمنياً ومكانياً وتطورياً، حينها سنجد العالم أجمع يتعامل بمنتجات لعناصر جديدة وروبوتات تقوم بعمل مهام صعبة للغاية وتنفذها بأقصى دقة، كانت الرياضيات وستظل أساساً لتطورها، ونحن مازلنا ندرس تنظير الرياضيات ونُغفل الاتجاه الإيجابي لدراستها والإبداع في تطبيقاتها من ناحية أخرى.
يجب علينا أن نقدم لطلابنا ولفئاتهم الخاصة من الموهوبين والفائقين مادة تطبيقية للرياضيات تختص بالذكاء الاصطناعي أو غيره من التطبيقات حتى تنمو لديهم موهبة ربط النظرية بالتطبيق والتطوير فيه ليكون لدينا جيل هو أمل مانصبو إليه في عالم متغير متطور.
د. هشام عبدالغفار
أستاذ المناهج وطرق تدريس الرياضيات المساعد
السنة الأولى المشتركة
إضافة تعليق جديد