نسمع دائمًا كيف أن التكنولوجيا ستغير مستقبلنا بصورة جذرية، ولكن في واقع الأمر فإن التغير في حياتنا – الذي يعتمد على التكنولوجيا – قائم الآن بالفعل، بل إنه موجود منذ فترة ليست بالقصيرة، ولكن بعض من يشغلون المناصب التنفيذية في المؤسسات الكبرى لا زال غير مدرك للإيقاع السريع الذي يفرضه هذا التغير.
لقد أدت التطورات التكنولوجية المعاصرة إلى العديد من التغيرات الجوهرية التي طالت مختلف التقنيات، وأدت إلى القضاء على العديد من الصناعات والمهن، وإلى زيادة القدرة على فعل الأشياء بصورة دقيقة وفي توقيت منضبط. كما أدت إلى التقارب والتكامل بين العديد من التقنيات المختلفة في منتجات بين أيدينا الآن.
هناك الآن تقنيات تتيح جمع كميات هائلة من البيانات، وتقنيات تتيح تخزين كل هذه البيانات في السحابة الحاسوبية دون خشية من نفاذ مساحات التخزين، وهناك خوارزميات التعلم العميق والتعلم الآلي التي تقوم بتحليل البيانات للوصول إلى رؤى جديدة، وهناك شبكات جي 5، والتي تزيد سرعتها مائة مرة عن شبكات جي 4، التي تقوم بنقل الرؤى والأفكار عبر الإنترنت.
وهناك إنترنت الأشياء التي تضم مليارات الكائنات المادية المتصلة بالإنترنت، والتي قد تصل إلى تريليون كائن في غضون عقد من الزمان، وهو ما سيوفر كميات هائلة من البيانات تحت تصرف الشركات، وسيجعلها تشرع في استخدام تقنيات تحليل البيانات الضخمة، وغير ذلك الكثير والكثير.
ورغم كل ذلك، لا زال يعيش بيننا جيل ينتمي إلى العالم القديم الذي لا يعتمد على التكنولوجيا إلى هذا الحد، غير راضٍ عن هذه التغيرات المتسارعة في كل جوانب الحياة، وهو جيل تسيطر عليه ثقافة الورق: ملمس الورق وشكله ورائحته والحفظ في دوسيه والتوقيع بالقلم والختم.. الخ، جيل قد اكتسب خبرة في المحاسبة والتدقيق المالي على مدى عشرات السنين ويرى أن الآلة مهما تقدمت فلن تحاكي نهجهم.
جيل يتمسك بالأشياء التي تعلمها في وقت مبكر من حياته الوظيفية، واستمر عمله بها على مدى سنوات، وطور هذا العمل بصورة جيدة طبقًا لأسلوب التغيير الخطي linear، ولا يعلم أن العالم الآن يتسارع فيه التغير بصورة أسِّية غير خطية exponential، ومن ثم فما نجح بالأمس لم يعد يصلح للوتيرة المتسارعة التي تمضي بها أنشطة الحياة.
هذا الجيل ليس بالضرورة من كبار السن، بل يشمل كذلك الأصغر سنًا، وهو ما يمثل مشكلة حقيقية إن كانوا يحتلون مناصب تنفيذية رفيعة، لذا، يحتاج هؤلاء إلى نوع من الإرشاد العكسي «reverse mentoring»، والذي يستعين فيه المدير بمرشد أو مدير مكتب من الشباب ممن لديهم دراية أكبر بمعطيات التكنولوجيا الحديثة، فهذا يقلل من أثر الفجوة الرقمية الموجودة لديه، وإن كان سيظل عائقًا للمؤسسة في الانطلاق المتسارع الذي يفرضه نهج التحول الرقمي.
أ. د. جبريل بن حسن العريشي
عميد عمادة التطوير والجودة
عضو مجلس الشورى السابق
إضافة تعليق جديد