يوجد في العديد من المدن على مستوى العالم مساحات واسعة من الأحياء العشوائية التي نمت عضوياً أو أحياء مخططة ولكنها قديمة، وفي الغالب أن هذه الأحياء يسكنها ذوو الدخل المتوسط والمنخفض أو معدومو الدخل، ولكنها تفتقر إلى بعض الخدمات العامة ومبانيها أصبحت قديمة وبعضها متهالكة بحكم تقدم عمر الحي بأكمله.
والنهج التقليدي المتعارف عليه لرفع مستوى هذه الأحياء وتحسين بيئتها هو الهدم وإعادة البناء سواءً في نفس الموقع أو ترحيل السكان إلى أحياء جديدة والاستفادة من الموقع القديم، وقد يقترح هذا الحل أشخاص ليس لديهم دراية بالعواقب ولا يتم الرجوع لذوي الاختصاص من المخططين العمرانيين ومن يتشارك معهم في التخصص مثل «الجغرافيين - أخصائي علم الاجتماع - الاقتصاديين وغيرهم».
وقد حدث هذا حيث تمكنت بعض المدن من ترقية الأحياء العشوائية والقديمة دون التشاور مع السكان أنفسهم وأخذ آرائهم، وتم القضاء على هذه الأحياء وإعادة البناء، فتبنى المباني العالية ذات الأدوار المتكررة وتخطط وتنفذ الطرق الجديدة وتوضع الخدمات العامة مهما كانت التكلفة.
هذه الممارسات لا تأخذ في الاعتبار شعور السكان بالمكان والموطن الأصل، ويصعب على الحكومات توفير الوظائف وإعادة العلاقات الاجتماعية على ما كانت عليه، وقد تزيد التكلفة على الدولة وكذلك على الساكن الذي سوف ينفق على التنقل مثلاً ضعف ما كان ينفق عليه سابقاً نظراً لتباعد الخدمات وغير ذلك.
تعتمد بعض المدن على أساليب جديدة لترقية الأحياء العشوائية والقديمة، فقد قدمت مدينة سورابايا بإندونيسيا مثلاً برنامج إسكان مبتكر عام 1969م يعتمد على التحسين، وقد أصبح أحد الأمثلة الأولى في العالم لنجاح ترقية الأحياء العشوائية والقديمة، فمدينة سورابايا تعاني على مر السنين من التمدد العمراني السريع علاوةً على ذلك انتشار الأحياء العشوائية داخل المدينة، وبلغ متوسط معدل النمو السكاني 4.1% سنوياً، ويعتبر عالي بالنسبة لدول شرق آسيا، و23% من سكان المدينة يعيشون في عشوائيات غير رسمية.
ولمكافحة قرار الهدم وإعادة البناء وتشريد السكان وتحويلهم من وسط المدينة إلى الضواحي والتمدد العمراني وصعوبة إيصال الخدمات والبنية التحتية؛ قام هذا البرنامج بالتشارك مع السكان وخبراء عالميين بالتحسين وضمان الإسكان الدائم ووصول جميع الخدمات وإدارة النفايات والتعاون معاً للارتقاء بمستوى السكان والأحياء وترقيتها بما يضمن البقاء فيها، وقدمت الحكومة تمويلاً بالتشارك مع القطاع الخاص وجهات تمويلية أخرى وشارك السكان بجزء من تكاليف التحسين، كما قام السكان بتشغيل وإدارة المشاريع الأمر الذي جعلهم أكثر إحساساً وانتماءً بملكية الحي والمدينة.
إن تحسين نوعية الحياة في مثل هذه الأحياء يمكن أن يحسن اقتصاد المدينة والبيئة والرقي بالصحة العامة ومستويات التعليم، ويجعل المدينة أكثر أماناً وأكثر ملائمة للعيش.
ومن هنا نضع سؤالاً مهماً: كيف يمكن للمدن الحفاظ على الأحياء القديمة مع توفير الخدمات والفرص؟
الإجابة تتضمن عدة نقاط: أولها تحديد الأولويات في الحي والقيام بالتحسين تدريجياً، فيجب على المدن الاستثمار في مشاريع التحسين والتأهيل سواءً كانت البنية التحتية والخدمات العامة أو المنازل، وهي بالطبع قائمة وأفضل من القيام بتخطيط أحياء جديدة.
ثانيها ضمان مشاركة السكان في القرار، فيجب أن يكون للسكان صوت وأن يتم مشاورتهم في مشاكل الوضع الراهن وكيف يمكن التغلب عليها وما هي المقترحات.
ثالثها الشراكة مع القطاع الخاص والجهات الغير ربحية، للتعاون وتقديم التمويل الميسور وتقديم الدراسات والاستشارات وغير ذلك. رابعها تحسين شبكات النقل، لضمان الوصول العادل للسكان لجميع الخدمات والاستغناء عن تكاليف التنقل بالمركبات الخاصة.
النقطة الخامسة والأخيرة تجنب تهجير السكان، إذ يجب على المدن تجنب مشاريع التطوير التي تقوم بنقل السكان من أواسط المدن إلى الضواحي بعيداً عن الخدمات الأساسية وخلخلة الروابط الاجتماعية.
ختاماً، بالنسبة للمدن سريعة النمو فإن التحسين ومعالجة الوضع القائم يعتبر جزءاً من اقتصاديات المدينة، وقد رأينا مؤخراً قرار وزارة الإسكان بدعم تجديد المساكن في الأحياء ذات الخدمات المكتملة وتعزيز الاستقرار فيها، وهذا القرار جاء في الوقت المناسب الذي يبحث فيه المواطن عن حي مكتمل الخدمات والمرافق، وسيكون له أثره البالغ في التقليل من تكلفة التنقل والحد من التمدد العمراني وتكاليف إيصال الخدمات والبنية التحتية.
م. عوض بن سعد القحطاني
تخطيط وتصميم عمراني
إضافة تعليق جديد