«المسألة الزنبورية» مناظرة بين سيبويه والكسائي

«المسألة الزنبورية» عنوان أشهر مناظرة في تاريخ النحو العربي، جمعت بين إمامين عظيمين، عالم النحو وأسطورته سيبويه «بصري»، وشيخ القراءات وعلوم اللغة الكسائي «كوفي».
كان سيبويه أسطورة زمانه في علم النحو وهو من رواد المدرسة البصرية، قصد بغداد قادما من البصرة، لقضاء حوائج خاصة به، وفي رواية أخرى لضائقة مالية جعلته يمر بضيق وشدة، وحدث أن قصد وزير هارون الرشيد يحيى البرمكي، فأكرمه وأوسع له، واستقبله بحفاوة، وبعد أن طاب المستقر لسيبويه عُرض عليه أن يناظر زعيم مدرسة النحو في الكوفة، العالم الجليل الكسائي، فوافق على ذلك مسرورا ما دام الغرض من هذه المناظرة الخروج بالعلم والفائدة.
ومعلوم أن أشهر مدرستين اختصتا بدراسة علوم اللغة، مدرسة الكوفة بزعامة الكسائي، ومدرسة البصرة بزعامة سيبويه الذي أثبت نفسه وغزارة علمه رغم كونه شابا يافعا، ولا عجب من ذلك فهو تلميذ العالم الكبير واضع علم العروض ومفصّل أسماء البحور الشعرية، الخليل بن أحمد الفراهيدي.
وقد اجتمع سادة القوم ووجهائهم وأمر الوزير يحيى بتوفير أطيب الأماكن ليرتاح العالمان في مناظرتهما وبدأت المناظرة، وتم خلالها مناقشة مسائل كثيرة، فأظهر كل واحد منهما براعته ومهارته، لكن المحور الأهم في المناظرة كلها كان حول «المسألة الزنبورية» وهو سؤال وجهه الكسائي لسيبويه قائلا: كيف تقول «كنت أظن أن العقربَ أشد لسعة من الزنبور فإذا هو هي أم فإذا هو إياها؟» الزنبور: حشرة تشبه النحلة ولسعتها جد مؤلمة.
فقال سيبويه: فإذا هو هيَ ، ولا يجوز النصب. فقال الكسائي: أخطأت، بل الصحيح النصب فنقول: فإذا هو إياها. وطال النقاش وبرع وأجاد سيبويه في تقديم حججه ودلائله. فقال الكسائي: كيف تقول «خرجتُ فإذا عبد الله القائمَ ، أو القائمُ؟». فقال سيبويه: فإذا عبدالله القائمُ ،  ولا يجوز النصب أيضا. فقال الكسائي: العرب ترفع ذلك كله وتنصبه كذلك.
وطال الخلاف بينهما ودار في مجمله على الرفع والنصب وأصل ذلك كله «مسألة الزنبور» فعرض عليه الكسائي أن يتم إحضار مجموعة من الأعراب الأقحاح الذين ينطقون باللغة السليمة فطرة، فوافق على ذلك، وتقول الروايات أن مسؤولين في القصر أقنعوا الأعراب بأن ينتصروا للكسائي، وبالفعل حينما وقفوا أمامهما وسألهم عن صحة القول رجحوا كفة الكسائي دون أن ينطقوها، فطلب منهم سيبويه أن يؤكدوا ذلك وينطقوا الجملة، فلم تطاوعهم ألسنتهم على ذلك وتهربوا ، وفي ذلك إشارة على أن سيبويه محق.
فلم يكن لسيبويه إلا الإذعان للأمر، وغاد القصر وفي قلبه شيء كبير من هذه المناظرة، ولم تمض سوى مدة قصيرة حتى مات، ويقال أنه مات وفي قلبه غم من تلك المناظرة.

 

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA