عندما نطّلع على الشروط الخاصة بالبحث العلمي إجراءً وصرفاً، نجد أنفسنا كل مرة أمام وضع مدهش، فإما أننا لم ندرك بعد أهمية البحث العملي ودوره، أو لم ندرك كيفية تحفيز هذا النشاط الأساسي لأي جامعة.
وعليه فإنه الموضوع أو السؤال بالأحرى موجه لإدارات الجامعات والمعنيين بصنع واتخاذ القرارات في سن لوائح البحث العلمي.
عندما نعلم أن الجامعة معنية بدعم هذا النشاط بأساليب مختلفة، فإنه لا عذر في التهاون بأي شكل كان وبأي حجة كانت، على سبيل المثال، قضايا المجتمع لا حصر لها، لكن لنأخذ القضايا الاجتماعية والإنسانية نموذجا.
الآن، من سيأتي للجامعة من قطاعاتنا الحكومية أو الخاصة المعنية بهذه القضايا طلبا للبحث العلمي؟ هذه القطاعات لن تدفع هللة لدعم البحث العلمي، في حين لديها استعداد للتعاقد مع شركات أو مكاتب بالملايين لتنفيذ دراسات مختلفة.
نحن لا نقول الدعم لوجه الله، لكن تنفيذ احتياجاتها يتطلب اللجوء - وأعني ذلك تماماً - إلى الجامعة، فمشكلة الجهات عندنا مركبة تقليدية مركزية وأمور أخرى هي تعرفها وأخرى نعرفها، لكن ما الذي يهمنا في الجامعة؟
إنه تصورنا نحن أولا عن البحث العلمي! كيف توضع شروط عديدة بالمسطرة وكأن علماء العلوم الاجتماعية لديهم بيانات جاهزة، أو لديهم ترحيب مقبول على الأقل من الجهات المستفيدة من نتائج البحوث؟ كيف توضع شروط النشر في مجلات «ISI» وكأن المطلوب النشر باللغة الإنجليزية، ونحن نعرف تمامًا أن القضية ليست مرتبطة بمسألة اللغة الإنجليزية بقدر ما هو مرتبط بأمور منها قلة عدد المجلات المتخصصة في الدراسات الاجتماعية في هذه القاعدة؟
ثم، ماذا نفيد المجتمع المحلي إذا نشرنا في مجلة عالمية ذات تأثير عال أو منخفض؟ لا شيء، إلا إذا كان الهدف إبراز اسم الجامعة! ثم أيضا، ماذا يستفيد قطاع أو جهة حكومية إذا نشرنا بحوثاً عن التلوث أو الطلاق أو التطور الفكري الاجتماعي في بلدنا مثلاً باللغة الإنجليزية، وهذه الجهة ليس لديها إمكانية للقراءة باللغة الإنجليزية أو قسم أو إدارة تستقصي كل دراسة وتلخصها وتبني قرارات وفقا لها؟
من سيستفيد غير الباحثين، في حين أن الهدف الأسمى والأهم هو خدمة المجتمع المحلي مباشرة بالبحث العلمي الرصين؟ من سيهتم بمئة بحث لباحث محلي؟ هم جهات أخرى خارجية غير جهاتنا، لأنه وبكل بساطة هذه الجهات مطلوب منها إنجاز ومواكبة ومبادرات، والطريق للأمام لن يكون إلا من خلال البحث العلمي ومختبرات الجامعات؟
ثم لماذا لا تنزل إدارة الجامعة في زيارات دورية لتسمع وترى فترجع وتعمل شيئا؟ أسئلة عديدة جدا، لكن باختصار، على الجامعات عندنا إعادة النظر في كل الإجراءات والمفاهيم حتى يمكن أن نجد على أرض الواقع بيئة بحثية ميسرة، بدلاً من الاقتصار على التفنن في تقديم شروط تعجيزية من نوع: «أريد رولز رويس وبكرة وبعشرة ريال»!
لنا خمسون عاماً ولم نتقن أهمية التواصل مع بعضنا بما فيها الاستفادة مما يكتب، ولم نتقن الإبداع في تسهيل آليات البحث العلمي، ولم نتقن أهمية الدراسات الاجتماعية للمجتمع بحثاً وصلةً، وهي البحوث التي لن تدعمها مصانع وشركات الأدوية مثلاً أو القطاع الخاص بشكل عام.
ماذا نتنظر؟ البحث العلمي يعني حياة وديناميكية وتطوير، هذا عمل الأستاذ العالم، لذا يجب توفير ما يلزم له، وتقوم الجامعة بتسويق نتائجه بألف طريقة وطريقة، الأستاذ في الجامعة ليس عضو هيئة تدريس، بل باحث أولا ثم عضو هيئة تدريس، هذا باختصار شديد، والله من وراء القصد.
أ. د. علي بن معاضه الغامدي
إضافة تعليق جديد