من أدوات البحث والتحليل التي وضعت في مرحلة التصميم العمراني للمدن تقييم الأثر الصحي للمشاريع «HIA»: وهو يهدف للتنبؤ بالآثار المحتملة للمشاريع العمرانية على الصحة العامة للمجتمع - الآثار غير مقصودة على وجه التحديد - مثل تلوث الهواء في المدن الذي يهدد حياة 1.2 مليون نسمة في مختلف أنحاء العالم، بالإضافة للحوادث المرورية التي معظم ضحاياها من الأطفال.
ولكي تقوم المدن بوظائفها وواجباتها تجاه سكانها يجب أن توفر بيئة صحية لقاطنيها، ويجب تصميمها وفق مقتضيات البيئة الصحية «Health Expectancy» ووضع المعايير اللازمة لتحقيقها؛ ويتم ذلك من خلال زيادة المساحات الخضراء، حيث تشترط منظمة الصحة العالمية «WHO» ما لا يقل عن 9.2م2 من الخضرة لكل فرد في المدينة، كما يشترط توفير أماكن عامة لممارسة الرياضة اليومية، وتقليل مستويات التلوث الصوتي، وتقليل الظروف التي تؤدي لعدم الشعور بالأمان، وتسهيل التنقل والوصول للأماكن المختلفة.
وإذا توفرت مثل هذه البيئة الخضراء الصحية داخل المدن فلن يكون هناك حاجة إلى التوسع المطرد للمدينة خارج حدودها الجغرافية بحثًا عن المساحات الخضراء والبيئة الصحية، وهروباً من التلوث البيئي والصوتي والاكتظاظ السكاني التي تعاني منه جل المدن.
ولذلك يجب تصميم بيئة صديقة للمشاة مع توفير الأمن والسلامة عند عمل المخططات العمرانية من خلال التصميم الجيد للشوارع وممرات المشاة، بهدف رفع معدلات المشي، وركوب الدرجات الهوائية، وخفض معدل قيادة السيارات، الأمر الذي سيؤدي إلى تراجع معدلات البدانة وأمراض القلب والسكر وتحسين جودة الهواء.
يوجد في الوقت الحالي يوجد أكثر من 1200 مدينة حول العالم طبقت مفهوم البيئة الصحية، وكانت مدينة تورنتو في كندا السباقة في ذلك، تبعتها لندن ثم باريس ونيويورك وكوبنهاغن وكيوبيو وبوغوتا ومكسيكو وبكين وكوتشينغ و ساراواك في ماليزيا ومدينة وونجو في كوريا، وغيرهم الكثير من المدن الصحية.
فقد وضعت هذه المدن عدة معايير في تصميمها العمراني كخلق شبكات من المساحات الخضراء العامة المفتوحة، الاهتمام بوسائل النقل العام وجعلها متناولة لجميع السكان، زيادة مرافق الترفيه والأنشطة وتوفير مناطق للمشاة وللدراجات، سهولة الوصولية للنوادي الرياضية والترفيهية، تعزيز الشعور بالأمن والسلامة وذلك من خلال شوارع مضاءة بشكل جيد وآمن.
وقد أحدث هذا تطورًا كبيرًا لهذه المدن، حيث أمكن إنقاذ مليارات الدولارات التي كانت تنفق على الرعاية الصحية، وحماية الملايين من الأفراد من التعرض للسكتات الدماغية والنوبات القلبية وغيرها من الأمراض غير السارية والحد من وفيات حوادث الشوارع والطرقات.
وبعد كل هذا أليس حرياً أن تؤخذ الإجراءات لتوفير بيئة صحية واستغلال الفراغات الطبيعية بشكل أمثل ووضع احتياجات المجتمع أولاً أثناء عمليات ومراحل التصميم العمراني؟
م. علي عجلان
كلية العمارة والتخطيط
إضافة تعليق جديد