الدكتور سامي بن سعد بن عبدالله المخيزيم، أستاذ مشارك في التاريخ الإسلامي، العمر 46 سنة، من مواليد مدينة الرياض، نشأ في مدينة حريملاء «مدينة زراعية صغيرة تبعد عن الرياض 80 كيلومتراً من جهة الشمال الغربي» إثر انتقال عائلته إليها بحكم عمل والده رحمه الله في وزارة الصحة.
أجمل سنوات حياتي
عشت في مدينة حريملاء قرابة 12 سنة وكانت من أجمل سنوات حياتي وما زلت على علاقة طيبة بأهلها إلى الآن وخاصة أصدقاء الوالد وزملائه وأصدقائي في المرحلة الابتدائية، وما زال تأثير هذه المدينة علي كبيراً إلى الآن؛ لم يكن لدينا وقت فراغ هناك؛ فبعد صلاة الفجر الإفطار مع الوالد ثم المشي بين المزارع للوصول للمدرسة ولم يكن الوالد يوصلنا بسيارته إلا أوقات الأمطار أو البرد الشديد، وعدا ذلك كنا نمشي سوية مع أطفال الحارة.
من حريملاء للرياض
بعد الرجوع من المدرسة تبدأ فترة الغداء ثم حل الواجبات وبعد صلاة العصر التوجه لمدرسة تحفيظ القرآن الكريم وتسمى المدرسة الصالحية ومازالت باقية إلى الآن، نخرج قبل صلاة العشاء ثم نصلي مع الوالد في مسجد الحارة ثم ننام بعض المرات قبل أن نتعشى من شدة التعب، ولكننا نقوم قبل صلاة الفجر وكلنا حيوية ونشاط.
المرحلة المتوسطة درستها في الرياض بسبب تخرج إخوتي من الثانوية العامة وعدم رغبة الوالد أن يسكنوا وحدهم في الرياض، لذا قدم على النقل وهو مجبر على ذلك لمحبته مدينة حريملاء وأهلها.
المرحلة الثانوية
انبهرت عند انتقالنا لمدينة الرياض وأحببتها كثيراً بسبب تقدمها الكبير والفرص الضخمة التي تقدمها للقادم الجديد، أكملت المرحلة المتوسطة والمرحلة الثانوية وكنت منتظماً في دراستي وكنت حريصاً على النجاح لكي أفرح والدي ووالدتي لأنهما كانا يفرحان كثيراً بنجاحنا وخاصة والدتي التي كانت أمية لا تعرف القراءة والكتابة، وبعد فترة من وصولنا للرياض قررت أمي أن تنضم لمدارس محو الأمية وكانت متحمسة، وكنت متحمساً أكثر منها لدرجة أنني كنت بعض المرات أحل الواجبات عنها وخاصة واجب التعبير الذي كان صعباً عليها، ولكن المدرسة اكتشفت ذلك وأحرجت الوالدة كثيراً.
تحرير الكويت
من الأحداث المهمة التي كنت شاهد عيان عليها في المرحلة الثانوية هي الغزو العراقي للكويت عام 1990م، حيث فتحت المملكة حدودها وصدرها للشعب الكويتي الشقيق وتأسست اللجنة السعودية لإغاثة الشعب الكويتي الشقيق برئاسة أمير منطقة الرياض آنذاك «الملك سلمان حفظه الله»، وتم إسكان العائلات الكويتية بشكل عاجل في مدارس مدينة الرياض، وأتذكر أن هناك كانت عائلة تسكن في الفصل الذي كنا ندرس فيه وكنا متعاطفين معهم بشكل كبير جداً، وتمت دعوة الشباب للتطوع في شتى مناحي خدمة الوطن سواءً بالتدرب على حمل السلاح أو الإطفاء أو الدفاع المدني ومكافحة الكوارث أو مساعدة القطاعات الصحية، وكما هو معلوم فالشعب السعودي مقدام بطبعه واستطعنا استيعاب الصدمة والاستعداد لرد العدوان.
كمامات واقية
كان الوالد رحمه الله بحكم عمله في وزارة الصحة يعلمنا كيفية استخدام الكمامات الواقية من الحرب الكيميائية والجرثومية، وأنا كنت بدوري أعلمها لزملائي وأصدقائي، وكنا في تدريب متواصل ساعدنا كثيراً حينما بدأت الصواريخ العراقية باستهداف الرياض والتي فشلت في تحقيق أهدافها ولله الحمد.
الالتحاق بالجامعة
بعد أن أنهيت المرحلة الثانوية كنت مصمماً على الالتحاق بجامعة الملك سعود بسبب شهرتها وعراقتها وتأثير أخي الأكبر عبدالله فيني، حيث كان أحد خريجي قسم اللغة الإنجليزية، وكنت اذهب معه دائماً لمشاهدة المسرحيات التي كانت تقيمها الجامعة وكان الحضور كثيفاً لدرجة أننا لم نكن نجد مقاعد وكنا نقف أو نجلس على درج الممرات.
اختيار التخصص
بدأ حبي لقراءة التاريخ والاستفادة من تجارب وحضارة الأمم والشعوب الأخرى منذ المرحلة الثانوية، وكنت أحب التردد على المكتبة والقراءة، وفي الجامعة حينما دخلتها عام 1414هـ كان هناك «نظام المداخل» وفكرتها تقوم على أن الفصل الدراسي الأول يكون للتعريف بالتخصصات التي تقدمها الكلية، وفي الفصل الثاني يتخصص الطالب في التخصص الذي يجد نفسه فيه.
وحينما درست مادة «المدخل إلى علم التاريخ» على يد الدكتور المتميز عبدالرحمن المديرس، ازددت يقينًا أن هذا هو التخصص المنشود، وقد وجدت في هذا القسم أساتذة كان لي شرف التتلمذ على أيديهم سواءً كان في التخصص أو في الحياة بشكل عام، فقد كانوا آباءً لنا، ولن أستطيع ذكر أسمائهم هنا لأن عددهم كبير وأخشى أن أنسى أحداً منهم، فلهم كلهم أفضال عديدة علي.
الحياة الاجتماعية
بالنسبة لحياتي الاجتماعية فهي هادئة بشكل عام، عندي أربعة أبناء أكبرهم سعد «16 سنة» وأصغرهم جود «3 سنوات»، وبالنسبة للواجبات الاجتماعية فأنا مقصر فيها بشكل كبير جداً ومن هذا المنبر أوجه اعتذاري للجميع على هذا التقصير مع الوعد بإصلاحه مستقبلاً بإذن الله.
محكمة التمييز
وفيما يتعلق بحياتي الأكاديمية فأنا أحمد الله كثيراً على ما حققت فيها فقد تخرجت الأول على الدفعة في مرحلة البكالوريوس مع مرتبة الشرف الثانية، وبسبب أنني لم أكن تربوياً فلم أستطع التوظف في سلك التعليم العام، لذا بحثت عن أية وظيفة متاحة ووفقني الله بالعمل على وظيفة كاتب لدى أحد القضاة الأجلاء في المحكمة المستعجلة بالرياض، واستفدت منه جزاه الله خيراً فائدة عظيمة وخبرة في الحياة، وما زلت أدعو له إلى الآن، وبعد قرابة الستة أشهر تم نقلي إلى محكمة التمييز لكي يتم تثبيتي على وظيفة رسمية هناك بتوصية وتزكية من شيخي السابق.
دبلوم تربوي
في تلك المحكمة ازداد حجم العمل والمسؤولية الملقاة على عاتقي، وقبل أن يصدر قرار تثبيتي على هذه الوظيفة علمت أن كلية التربية بجامعة الملك سعود فتحت برنامج الدبلوم التربوي فقدمت استقالتي فوراً وانضممت للبرنامج بكل شغف وتحمس، وهناك بالفعل وجدت برنامجاً أكاديميًا متخصصاً لإعداد المعلم وتدريبه في الميدان في آن واحد، وكان من أبرز من كان لهم تأثير قوي علي كل من أ.د. أحمد الفقيه وأ.د. فهد الشايع، وتخرجت بعد سنة بتقدير ممتاز وكنت الأول على الدفعة، وتم تعييني مدرساً في المعاهد العلمية التابعة لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في مدينة الخرج.
برنامج الماجستير
استفدت من تلك التجربة كثيراً حيث المناهج كانت قوية ونوعية الطلاب كانت جيدة، وبسبب ظروفي العائلية لم أستطع السكن في مقر عملي، لذا كنت أقوم بالتردد يومياً على مدينة الخرج قاطعاً ما مجموعه في اليوم قرابة 250 كيلومتراًً، وفي تلك الأثناء تم قبولي في برنامج الماجستير بجامعة الإمام، وأصبحت أخرج من البيت مع أذان الفجر وبعد العودة من الدوام أتوجه مباشرة لجامعة الإمام لأن الدراسة تبدأ الساعة الرابعة مساءً وأعود للمنزل الساعة العاشرة مساءً.
الدكتوراه والنشر
بعد أربع سنوات حصلت على درجة الماجستير بتقدير ممتاز وانتقلت لمدينة الرياض، ثم أتتني الفرصة للانضمام لقسمي الحبيب بجامعة الملك سعود على الرغم من أنني كنت سأفقد من راتبي مبلغ 2400 ريال شهرياً، فوافقت فوراً دون تردد «وقد تمت إعادة كامل الفروقات بعد سنة ونصف ولله الحمد»، وبعد خمس سنوات حصلت على درجة الدكتوراه في التاريخ الإسلامي، ومن ثم تمت ترقيتي لأستاذ مشارك وأنا الآن أعمل على الترقية لرتبة أستاذ وملفي شبه جاهز لولا اشتراط النشر في مجلات «isi».
قسم التاريخ
حرصت في قسم التاريخ على المشاركة بفعالية في جميع لجان القسم، وهذا أمر مهم جداً أوصي به زملائي في مختلف الأقسام لكي تتولد لديهم خلفية كافية لمعرفة كيفية عمل الأقسام وآلية اتخاذ القرار فيها وأسلم الطرق لتطويرها من الداخل دون أن يتعرض العمل لهزات لا داعي لها.
ومن أقرب المحطات إلى قلبي العمل في الندوة العالمية لدراسات تاريخ الجزيرة العربية والتي تحولت إلى مركز الملك سلمان لدراسات تاريخ وحضارة الجزيرة العربية ويشرف عليها الآن سعادة عميد كلية الآداب الأستاذ الدكتور نايف بن ثنيان آل سعود الذي حقق خلال فترة قصيرة من رئاسته للمركز إنجازات تثير الإعجاب والتقدير مع ما يتمتع به من أخلاق عالية وطريقة مميزة في العمل قائمة على العمل الجماعي وتشجيع المبادرات الخلاقة لتطوير العمل.
زيادة الدعم
لا يفوتني هنا أن أشكر معالي مدير الجامعة الدكتور بدران العمر على هذا الاختيار الموفق آملاً من معاليه زيادة الدعم لهذا المركز العزيز على قلوبنا، حيث يحمل اسم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان مؤرخ المملكة وأول من حصل على الدكتوراه الفخرية في التاريخ من قسم التاريخ بجامعة الملك سعود، وختاماً أنصح نفسي وزملائي وطلابي بتقوى الله في السر والعلن، والعمل الجاد على تطوير أنفسنا، وأن نكون عند حسن ظن قادتنا وولاة أمرنا حفظهم الله.
إضافة تعليق جديد