استمر استخدام مصطلح «العصر الحديث» مع استمرار الطموح والأمل ومقابلة المستجدات، وتجدد وتطور الحاجات وتعمق المتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية، من زمن إلى زمن، وفي وقتنا الحاضر، ونظراً لتسارع تلك المستجدات والمتغيرات وفي فترات زمنية قصيرة جداً، يمكن استخدام مصطلح «اليوم الحديث» أو «الأسبوع الحديث»، ومن حيث العلاقات استخدام مصطلح «عصر المنظور الاستراتيجي».
وقد يرجع سبب ذلك إلى أن العلاقة بين تلك المتغيرات والمستجدات أصبحت علاقة وطيدة لا تكاد تنفك بعضها عن بعض سواء لنفس الزمن لكافة متغيراته ومستجداته، أو نفس الزمن مع الذي قبله وبعده، حتى أصبح تشابك تلك العلاقات أمراً ضرورياً إلى درجة التعقيد.
ولكي نتمكن من تطبيق المنظور الاستراتيجي بكفاءة وجودة واتساق مع الأهداف؛ لابد من إدراك المفهوم الاستراتيجي بتفاصيله بعيداً عن خلطه بالمفهوم التقليدي للتخطيط أو إدارة المشاريع؛ والذي أدى إلى استخدام المفهوم الاستراتيجي بشكل محدد بتاريخ نشأته بالكلمة اليونانية «استراتيجوس» دون التفرقة بين نحته كمصطلح، ومفهومه العلمي الفلسفي وتطوره وفق المنظور المتخصص والاحترافي لمرتكزاته، والتي يمكن من خلالها نقل المفهوم التقليدي لكل من القيادة أو الإدارة أو التفكير أو التخطيط أو غيرها إلى المنظور الاستراتيجي لها.
أي مستوى وأي نوع من التخطيط لابد أن تكون له جوانب إيجابية في تطوير العمل وانتظامه وتحقيق أهدافه، ويتحدد مستوى تلك الجوانب الإيجابية بمستوى ونوع التخطيط؛ فكلما انتقل من التخطيط التقليدي إلى التخطيط وفق المنظور الاستراتيجي كلما كان هناك مقدرة على تحديد هوية ورؤية المنظومة بشكل دقيق وممكن، بالإضافة إلى توفير الوقت والجهد والمال، وتحقيق نتائج أفضل على كافة المستويات.
من هنا نجد على سبيل المثال أن هناك جهوداً مخلصة في منظومتنا التعليمية بمختلف جهاتها إلا أن عدم وضوح المنظور الاستراتيجي من بداية إعدادها حتى مراحل تنفيذها يجعل مردودها لا يمثل الطموح بها واستغراقها ما يعادل ثلاثة أضعاف ما يمكن تحقيقه بالمنظور الاستراتيجي، بل قد تكون عرضة للفشل في تحقيق الأهداف المرسومة، وتحول التخطيط إلى تخبيط.
لذا، من أهم العوامل التي تساعد على تحقيق المنظور الاستراتيجي، التزام القادة بمتطلبات ومعطيات المنظور الاستراتيجي، توفر المختصين سواء كان في المنظور الاستراتيجي أو في اختصاصات المنظومة، تحديد الاختصاص وذلك بالتفرقة بين مهمة المختصين والخبراء في إدارة عمليات التخطيط الاستراتيجي وفق مفهومها وفلسفتها ومنسوبي المنظومة من الخبراء والمختصين في مجال اختصاصها، توفر المعلومات والبيانات اللازمة وتصنيفها وفق عمليات المنظور الاستراتيجي، الابتعاد عن الأحلام والتوجهات الشخصية للقادة للحصول على نتائج مؤقتة وسريعة والتركيز على الدراسات والأبحاث، واتساع نطاق المشاركة في تحليل وصناعة المستقبل على كافة المستويات العمودية والأفقية للمنظومة.
قد تتضح الصورة أكثر للقارئ الكريم بتأمله لاستقلال الجامعة بحسب النظام الجديد للجامعات، وفق المنظور الاستراتيجي بمرتكزاته العلمية، وانعكاس ذلك على هويتها ومسؤولياتها وهيكلتها وبيئتها ومن ثم على رؤيتها وغاياتها وأهدافها الاستراتيجية.
د. عبداللطيف بن عبدالرحمن العوين
أستاذ إدارة عمليات التخطيط الاستراتيجي المساعد
إضافة تعليق جديد