التوأم الرقمي هو نموذج افتراضي يمثل نسخة طبق الأصل لدورة العمل بالمؤسسة ولكن في البيئة الرقمية، ويتم بناؤه بغرض إجراء التحليلات وعمل التحسينات في هذه النسخة الرقمية التي تعكس الواقع المادي، ثم تطبيق ما يثبت صلاحه وجدواه في بيئة العمل الفعلية للمؤسسة، وبذلك يمكن استكشاف سبل معالجة المشكلات التي يتوقع أن تواجهها المؤسسة في العالم الرقمي قبل أن تتحول إلى مشكلات فعلية في العالم الحقيقي.
والتوأم الرقمي ليس مصطلحًا جديدًا، فهو يستخدم منذ مدة ليست بالقصيرة في المحاكاة والتشخيص في العديد من الصناعات، مثل صناعات الطيران والتعدين والمحركات وغيرها، لكنه اكتسب اهتمامًا حديثًا حين ظهر في قوائم أفضل 10 اتجاهات تقنية على مدار الأعوام الثلاثة الماضية في تقرير مؤسسة جارتنر الشهيرة للأبحاث.
يوفر التوأم الرقمي للمؤسسة إطار عمل سياقي رقمي لنماذج دورات العمل ولسبل اتخاذ القرارات، ويساعد على إدراك أين ترتبط قيمة المؤسسة بأجزائها المختلفة، وكيف تؤثر إجراءات العمل على الأنشطة التي تحقق القيمة المضافة لها؛ لذا فهو يستمد من بيئتها الواقعية التي تتضمن الأشخاص الحقيقيين والآلات الحقيقية وهم يعملون معًا في إطار دورات العمل المختلفة الموجودة بها.
وهو ليس نسخة كربونية تماثل لقطة من الواقع المادي، لكنه نسخة ديناميكية، بمعنى أنه يستجيب للتغيرات الحادثة في دورات العمل ويقوم بمحاكاتها في البيئة الرقمية، وذلك باستخدام نماذج خاصة من البرمجيات التي تختص بمحاكاة دورات العمل التي تختلف ما بين قسم وآخر، وتتم مزامنتها مع الوقت الحقيقي لما يجري في هذه الأقسام.
وهذا الاقتران المتزامن بين العالم الافتراضي/ الرقمي والعالم المادي يوفر سبلاً للحصول على صورة حقيقية ديناميكية لدورات العمل من جانب، ويسلط الضوء على الفرص الجديدة التي تمكّن المؤسسة من التخطيط للمستقبل من جانب آخر.
يعتمد بناء التوأم الرقمي للمؤسسة على استخدام البيانات التشغيلية وغير التشغيلية الموجودة بها في برمجيات للمحاكاة يتم من خلالها فهم أعمال المؤسسة، وتقديم معلومات عن الأسلوب الأمثل لتشغيل نموذج الأعمال الخاص بها والذي يعكس حالتها ومواردها الراهنة، وتصوير الترابط بين الوظائف والعمليات في جنباتها، واقتراح مؤشرات الأداء الرئيسية فيها.
وهناك مصدران رئيسيان لهذه البيانات، الأول دورات الأعمال الحالية في المؤسسة، حيث يمكن من خلالها تتبع كل خطوة في كل إجراء في كل عملية، سواء كانت أساسية أو داعمة أو فرعية، والثاني هو أنظمة تكنولوجيا المعلومات الأساسية بها، والتي يتم فيها تخزين البيانات.
وترى بعض مؤسسات الأبحاث أن الاستثمار في بناء التوأم الرقمي للمؤسسة يحدث تحسنًا بنسبة كبيرة، قد تصل إلى 30 في المائة، في دورات العمل الخاصة بعملياتها المهمة، بالإضافة إلى ما يحققه من زيادة رضا العملاء بسبب إلقائه الضوء على سبل تقديم الأفضل لهم، وكذلك ما يحققه من وفر في الموارد.
أ. د. جبريل بن حسن العريشي
عميد عمادة التطوير الجودة
أستاذ علم المعلومات
عضو مجلس الشورى السابق
إضافة تعليق جديد