السعودية نموذج عربي في المعرفة

 

 

تغيرات كبيرة تحدث للمملكة العربية السعودية نحو العالمية المعرفية وخطوات جيدة صوب اقتصاد المعرفة، الذي ظهر في القرن العشرين وبرز بقوة في القرن الواحد والعشرين، وما إن ينتصف هذا القرن إلا ويغدو هو الأساس العام المهيمن على كل الموارد، ويطغى على الموارد الطبيعية المعروفة التقليدية مع استمرار الثورة التكنولوجية والمعلوماتية والثورة البيولوجية وثورة الصناعات الدقيقة.

من هذا المنطلق، تسعى المملكة لتغيير المفاهيم المتداولة من الاعتماد على الموارد الطبيعية وعلى رأسها النفط لتتحول إلى موارد أخرى وقطاعات واعده يحتم عليها ذلك في ظل التغيير الكبير في العالم، مستخدمة العديد من العوامل الأساسية التي توفرها في سبيل ذلك لمواكبة هذا التغيير عن طريق رفع معدل التمويل للبحوث العلمية كنسبة مئوية من الدخل القومي المحلي، رفع حجم الاستثمارات في البحث والتعليم والتدريب والـتأهيل والابتعاث وتبادل الخبرات محلياً وإقليمياً، مع فسح المجال لاستقطاب الباحثين المتميزين من ذوي الكفاءات العالية، وتسهيل اجتذاب المهارات المطلوبة، ودعم الموهوبين، إضافة لتشجيع إنشاء المزيد من المراكز البحثية التي مازال عددها قليلاً مقارنة بدول متقدمة في مجال اقتصاد المعرفة «Knowledge Economy»، وكذلك تشجيع البحث العلمي والباحثين وتهيئة البيئة البحثية التي تساعد في خلق الإبداع والابتكار والإنتاج المعرفي المؤثر.

تلك هي ركائز التحول الحقيقي نحو التقدم المعرفي، ويدعم ذلك دون شك عدة عوامل أبرزها، الاستثمار في المورد البشري الذي تتمتع به السعودية عن غيرها من المجتمعات العربية والعالمية، فأكثر السكان اليوم هم من فئة الشباب بنسبة فاقت 60% حسب إحصائيات 2019، هذا المورد الهام يجب أن يفعل من قبل واضعي السياسات بشكل جديد غير تقليدي وكذلك من قبل الجامعات والمراكز البحثية الحكومية والخاصة وتفعيل دور القطاع الخاص، واستحداث وحدة للبحث وللتطوير والإبداع والاكتشاف في كل منشأة حكومية أو خاصة، بما يخدم القطاع نفسه والمجتمع عموماً.

يجب أن يستفاد من طاقة هذا المورد البشري، فهو خير استثمار حالياً ومستقبلاً، فما نهضت الشعوب إلا بالشباب وباستثمار العنصر البشري، هم المورد المتناغم المتجدد الذي يواكب كل جديد بقدرة واقتدار لريادة الحاضر وبناء المستقبل. 

إن السعودية وبكل شفافية تتقدم بخُطي واعدة من خلال عدد الأبحاث المنشورة عالمياً في المجلات المُصنفة حيث تساهم بنسبة 22.7% من أجمالي عدد الأبحاث في الوطن العربي وبنسبة 23% من إجمالي عدد الاستشهادات، وبنسبة 61% على مستوى الخليج العربي، إنتاجها البحثي يساوي 12 دولة عربية «المغرب والأردن وقطر ولبنان والكويت والسودان واليمن وليبيا وسوريا وموريتانيا والصومال وجيبوتي»، وترتيبها 27 عالمياً.

وتوزعت الأبحاث المنشورة للمملكة لعام 2018م، بحسب موقع سكُوبس العالمي «Scopus» حسب التخصصات كالتالي: العلوم الفيزيائية والطاقة والأرض والكواكب 22.89%، العلوم الكيميائية والحيوية والوراثية والجزيئية والهندسة الكيميائية 18.29%، العلوم الطبية والدوائية والصيدلانية والعصبية وطب الإسنان والمهن الصحية 18.04%، العلوم الهندسية 11.7%، علوم الحاسوب وتقنيات المعلومات 8.84%، العلوم الزراعية والبيولوجية والبيئية والبيطرية 7.28%، علوم الرياضيات 5.71 %، العلوم الإدارية والاقتصادية والمحاسبة والقانون 4.32%، العلوم الاجتماعية والإنسانية وعلم النفس 2.86%.

كما أنها استحوذت على نصيب الأسد بعدد 3399 براءة اختراع، وهي المصنفة 15 عالمياً والأولي عربياً بنسبة 80% من إجمالي براءات الاختراع في الوطن العربي، إلا أن تحويل براءات الاختراع تلك من مجرد شهادة واحتكار للأفكار إلى منتجات ملموسة تصنع وتباع وتطور وتنافس لتتحول من مجرد أرقام إلى أفعال في سبيل النوع وليس الكمّ، هنا سيكون الإبداع المعرفي.

وبلغ عدد الجامعات الحكومية في السعودية 25 جامعة، في حين بلغ عدد المراكز البحثية حوالي157 كمراكز مستقلة أو تابعة للجامعات أو متفرعة من مراكز رئيسية، طبقاً لبيانات العام 2018م، وكلما تحققت معايير التقنية المعرفية، كلما تحقق مزيد من الرفاهية المستدامة للشعب ومزيد من الدخل والانتقال من الموارد التقليدية التي ربما تصبح من الماضي وستكون من سمات العصر القديم إلى موارد غير مادية معرفية فكرية ابتكارية وإبداعية.

كما يحسب للسعودية إنشاء أول مركز للاقتصاد المعرفي في الوطن العربي والذي تم تدشينه في مطلع العام 2019 في جامعة المؤسس بمدينة جدة، ويضم العديد من الوحدات «وحدة الاقتصاد والتنمية، وحدة المعرفة، وحدة التميز المعرفي، ووحدة العلاقات العامة والإعلام» ويسعى إلى المشاركة في إحداث نقلة نوعية كبيرة للمواءمة بين المنظومات التعليمية في الجامعات بما يخدم الاقتصاد المعرفي، وتعزيز دور الجامعات الحكومية والخاصة والمراكز البحثية في وضع الخطط الاستراتيجية، وخلق التوازن بين المخرجات التعليمية والبحث العلمي وتنمية المجتمع.

على ضوء ما سبق، لابد من استمرار التنافس الذي يليق بالسعودية وبحجمها المالي العالمي ورفع معدل الإنفاق وهي الأولى عربياً وبمقدار 12.5مليار بنسبة 0.47% من الناتج المحلي، إلا أنه ما زال قليلاً على القطاع المعرفي البحثي الذي يستحقه اقتصاد المعرفة مستقبلاً، سواءً من التكنولوجيا الرقمية والمعلوماتية والبني التحتية، أو من التقنيات الدقيقة كالنانو وأنظمة الطاقة المتجددة ووسائل النقل الحديثة وتقنيات الهواتف المتجددة.

نتمنى أن نسمع عما قريب أول هاتف وبرنامج صنع في السعودية، إن الإنفاق على المعرفة هو من سيحدد مدى النمو والتطور المعرفي، لتحقيق السبق والمنافسة في ظل التنافس المعرفي العالمي الذي يحدث جلياً في هذا العصر وعلى مؤسسات التعليم العالي، كمؤسسات معرفية دوراً أساسياً ومحورياً كونها تضم مراكز بحثية وكذلك برامج الدراسات العليا والمشاريع البحثية، ستظل الساحة الأساسية فيجب عليها الحث والدعم والتفعيل وأن تُحدد أولوياتها في سبيل خلق إيراد معرفي تستند عليه الجامعات بشكل دائم كأحد مواردها الأساسية، وأن تسعى إلى التفوق والقدرة على المنافسة المعرفية وتشجيع الباحثين.

ولا ننسى القطاع الخاص والشراكة مع الجامعات والمراكز البحثية التي يُمكن أن توظف معارفها ليس محلياً فقط، بل إقليمياً ودولياً أيضاً، لنكون على مفترق الطرق بين النهوض والجمود، وهو ما سيحدده حجم الاقتصاد المعرفي الناتج مستقبلاً.

 

فيصل بن أحمد الشميري

طالب دكتوراه

كلية علوم الأغذية والزراعة

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA