شارك باري لورد في العديد من المؤسسات الثقافية والمتاحف المرموقة في العالم، وأدرك بعد ثلاثة عقود وعدة آلاف من المشاريع المنجزة في أكثر خمسين بلدًا حول العالم، أنه في الواقع متعلق بالأعمال التي تعني بالتغيير الثقافي، فقام بدراسة تاريخ الفن والفنانين والمتاحف عبر عصور تاريخية مختلفة ومناطق متعددة، ثم بنى هذا الكتاب على فكرة أن الإبداع البشري مرتبط ارتباطًا عميقًا بالموارد الطبيعية المتاحة للبشر على الأرض، وأن الوصول إلى مصادر الطاقة مثل الفحم والنفط والغاز، أو الطاقة المتجددة اليوم يغير طريقة التعبير الفني ويشكل القيم الثقافة بشكل جذري.
قيم سائدة
تحدث لورد في كتابه «الفن والطاقة: أسلوب التغير الثقافي» عن مصادر الطاقة، والقيم الثقافية والفنية، ويناقش كيف غيرت مصادر الطاقة، مثل النار، أو الطاقة البدنية، والرق، والفحم، والرياح قيم المجتمعات السائدة، ثم يصف كيف تغير الفن وحافظ على هذه القيم الجديدة.
قيم مرافقة
يقول: “إن مصدر الطاقة يتطلب منا القبول – وليس بالضرورة الموافقة – ببعض القيم الثقافية المرافقة معه، وهذه هي الطريقة الوحيدة التي يمكنك من خلالها الحصول عليه، والمثير للاهتمام حقًا، أنه كلما أصبحت الطاقة مسيطرة، بمعنى أصبحنا نعتمد عليها، تصبح قيمها الثقافية عامة وشاملة، لا أحد يناقشها، بل تقبل دون وعي في كل مكان”.
عصر النهضة
قدم لورد عصر النهضة كمثال لطرحه، وتساءل لماذا ظهرت في تلك الحقبة الكثير من لوحات الأشخاص الزيتية؟ يقول: «عندما تدرس التاريخ، سيظهر لك فجأة كل هؤلاء الأشخاص الذين عملوا قباطِينُ سفن! خذ مثلاً: السير فرانسيس دريك، ووِالتر رالي، وهنري هِدسون، وجون كابوت، وغيرهم كثير. وستتعرف على هؤلاء الرجال: فِرديناند ماجلان، وكريستوفر كولومبوس، وغيرهم. كل هؤلاء الرجال كانوا قباطِينُ سفن، اشتهروا فجأة بذواتهم».
النزعة الفردية
وتابع بالقول: «ثم في القرن السابع عشر، أنظر لبلد مثل هولندا حيث يعيش، رمبرانت وفيرمير، وعاش شكسبير وموليير في هذه الفترة، وهنا ظهرت الأوبرا وألفت رواية سرفانتس “دون كيشوت”. كل هذا حدث القرن السابع عشر، القرن الذي تلى عصر النهضة، وكل هذه الأمثلة تدول حول النزعة الفردية التي ظهرت في ذلك الزمن، ومن هنا جاء هذا الاعتزاز المفاجئ بالأشخاص، لماذا؟ لأنه ببساطة لم يكن في العصور الوسطى السابقة».
ثقافة الاستثمار
ويرى لورد أن هذه النزعة الفردية ارتبطت بثقافة الاستثمار، يقول: «هذا الأمر له علاقة وجيهه في الواقع، فقد بدأ الاستثمار في إيطاليا، قبل عصر النهضة، وكان طريق الاستثمار في ذلك الوقت عبر السفن في البحر الأبيض المتوسط، ولكن أولئك الذين يملكون سفنًا أكبر بحبال أشرعة وصواري أفضل، تمكنوا من حمل الشحنات الثقيلة، وأبحروا من البندقية وفلورنسا وبيزا وجنوة، تلك المدن، التي بدء الناس فيها فعلاً شراء الأسهم المالية، أو قيراطات الذهب، بحلول القرن السابع عشر، أصبحت السفن أكبر مع في رحلات أطول بكثير، وأصبح تجار التوابل يبحرون أبعد من اسطنبول، ويعودون إلى البندقية، والآن الرحلات حول العالم».
مرحلة انتقالية
ويرى لورد أن المجتمعات عندما تمر بمرحلة انتقالية من تغير مصدر طاقة إلى آخر، تتغير ثقافته، فعندما أنتج الفحم جلب معه قيمًا جديدة، تتعلق بالانضباط الذاتي، وأخلاقيات العمل القوية، وأصبح فن الزجاج ممكنا. كما أكد ظهور الفحم وسكك الحديد البخارية، الهويات الجماعية والوعي الطبقي بشكل أقوى، وتطورت المكتبات وسوق الكتب.
النفط والغاز
في الستينيات من القرن العشرين، حل النفط والغاز محل الفحم كمصدر مهيمن للطاقة، وجلبت الكهرباء موجات من التغيرات الثقافية، وظهرت لأول مرة فكرة أن الفن يمكن أن يقولب المجتمع، فظهرت حركات فنية مثل جاكسون بولاك «أحد رواد حركة التعبيرية التجريدية» وتغير أيضا مفهوم الاستهلاك كما برزت ظاهرة تصميم إعلانات للمتاجر لدى الفنان آندي وارهول.
إضافة تعليق جديد