للإعلام دور كبير ومؤثر في توعية وتثقيف أفراد المجتمع وبناء الفكر المجتمعي بشكل عام، فهو المغذي الأول للمجتمعات بالأحداث الوطنية والدولية والممول الأساسي لها بالحقائق والمعلومات، بل يعتبر المؤثر الأول على آراء واهتمامات وتوجهات أفرادها.
وقد وصلت وسائل الإعلام في عصرنا هذا إلى درجة عالية من التفاعلية النشطة المحفزة على الخوض في الجدال والحوار بشتى أنواعه، والمحفزة أيضاً على المشاركة وتبادل الآراء في كل ما يطرح على الساحة دون أي قيود، وأصبح هناك ما يسمى بالإعلام التفاعلي الذي يؤدي دوره على كل الأصعدة؛ السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية، الدينية، الثقافية، والأمنية، وعلى الصعيد الأمني الذي يهمنا في هذا المقال يمثل «الإعلام التفاعلي الأمني» الركيزة الأساسية لسيادة الأمن ونشر ثقافة السلام بين جميع دول العالم.
تعد الترجمة الإعلامية الأمنية التي جاءت ضمن استراتيجية الأمم المتحدة العالمية لمكافحة الإرهاب واحدة من التدابير الأساسية التي من خلالها يمكن للمجتمع الدولي معالجة الظروف المسببة للخروج عن إطار الأمن والسلام والمؤدية إلى انتشار التطرف والإرهاب، والتي يمكن من خلالها أيضاً منع ومكافحة هاتين الآفتين بمختلف أشكالها وأنواعها.
فضلاً عن هذا كله فإن الترجمة تأخذ اليوم وضعها ومكانتها الطبيعية على مستوى العالم وتلعب دوراً رئيسياً في الأمم المتحدة وفي جميع الدوائر التابعة لمركز مكافحة الإرهاب الدولي، حيث يوجد عدد من المترجمين في لغات مختلفة لا يمكن تجاهل دورهم في تسهيل عملية التواصل بين ممثلي الدول الأعضاء.
ويعد الاعتداء الفكري والتسويد الحضاري الذي يحدث من بعض الدول عبر وسائل التواصل الاجتماعي ومؤسسات النشر وبعض القنوات الفضائية ضد عدد من الدول الإسلامية وعلى رأسها المملكة؛ إحدى الوسائل التهجمية الخطيرة التي لا يمكن الوقوف في مواجهتها والتصدي لها إلا من خلال الترجمة والترجمة الإعلامية الأمنية على وجه الخصوص.
والأمر الذي ضاعف دور الإعلام الخارجي في هذا الجانب هو أن تلك الأفكار تأتي في الأصل موجهة بلغات أجنبية مختلفة من أناس لا يفقهون شيئاَ في الدين الإسلامي، ولكنهم يعتمدون على ترجمة الأكاذيب إلى العربية بهدف إيصالها إلى المواطن العربي المسلم بشكل عام والسعودي على وجه الخصوص من أجل إفساد رأيه وتشويش أفكاره وتحريف مساره الصحيح واستخدامه كسلاح يوجه نحو مجتمعه.
إذن الترجمة الإعلامية الأمنية تلعب دوراً هاماً وأساسياً في محاربة مهددات الأمن الوطني والإقليمي والدولي، فهناك أفكار دخيلة لها تأثيرها السلبي المباشر على شريحة كبيرة من الشباب، تلك الأفكار المنمقة بالأكاذيب والمعلومات المغلوطة التي تحمل شبهات حول الدين الإسلامي لا يمكن التصدي لها وتصحيحها إلا من خلال الإعلام بشكل عام والترجمة في هذا المجال بشكل خاص.
هذا يؤكد أن الإعلام وسيلة مؤثرة بشكل مباشر على إدراك وسلوك وعواطف الأفراد، وتلعب دوراً رئيسياً في نقل الصورة التوعوية الحقيقية وتعزيز المناعة الفكرية لدى الشباب، ودرء الأكاذيب والدعايات الموجهة التي تهدد أمن الأوطان واستقرارها.
ولا شك أن الحد من الهجمات الإعلامية الأجنبية المشوهة وتصحيح المعلومات المغلوطة لدى عدد من دول العالم يعد أمراً ضرورياً لا يمكن إغفاله أو تجاوزه، من هنا جاء تفعيل دور الترجمة الإعلامية الأمنية من خلال المراكز والهيئات المعنية بالسلم ومكافحة الإرهاب والتطرف في عدد من الدول العربية في مقدمتها المملكة العربية السعودية؛ ومنها المركز العربي لمكافحة التطرف والإرهاب، مركز الحوار الفكري، مركز الحرب الفكرية، والمركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرف «اعتدال»، وغيرها. هذا إذن دور وأهمية الترجمة الإعلامية كوسيلة إيضاح ودفاع عن الدين والوطن ودرء الأفكار الدخيلة التي يروج من خلالها لأهداف واضحة ذات مغزى فكري هدام.
الدين الإسلامي هو «دين الحق والسلام»، «دين السماحة والإخاء»، يدعو بكل وضوح إلى التعارف والتعايش والتعاون، ويمثل باعتدال كل ما جاء في كتابه الكريم عز وجل ولا يخرج عما جاء فيه من أحكام شرعية. وعلى ذلك يلزم جميع المترجمين العاملين في المجال الإعلامي بشكل عام الحرص على تأكيد دور المملكة في تعزيز وحفظ السلام الدولي ونشر قيم التسامح والاعتدال. هذه الحقيقة يجب أن تنقل للآخرين من أجل تصحيح وإيضاح الصورة المشوشة، والتأكيد لغير المسلمين في جميع أنحاء العالم بلغاتهم وضمن إطار ثقافاتهم أنه لا يمثل الإسلام من لا يفقهه.
د. الحسين محمد آل مهديه
كلية اللغات والترجمة
إضافة تعليق جديد