تتجلى عظمة اللغة العربية وسموها ورفعتها في كونها اللغة الوحيدة التي اجتباها وخصها وشرفها رب العزة والجلال بأن تكون لغة القرآن الكريم، ولقد تمكنت اللغة العربية منذ الأزل من أخذ مكانتها اللائقة بين اللغات العالمية الحية، كما أفادت من الترجمة والتعريب مما زادها توسعاً وانتشاراً وعالمية وثراءً، باعتبارها لغة مرنة وطيعة تقبل الألفاظ الأجنبية وتستوعب المصطلحات التقنية، وذلك لسهولة النحت فيها والتصريف والاشتقاق والقياس.
ولقد تحدثت في مقال سابق «صحيفة رسالة الجامعة - العدد 1368» عن مجموعة من إشكاليات التعريب في اللغة العربية، وأكمل اليوم لأقول: يجب اعتبار المصطلح المعرَّب عربيًا خاضعًا لقواعد اللغة العربية حيث يجوز فيه الاشتقاق والنحت والتصريف والمماثلة والقياس وتستخدم فيه أدوات البدء والإلحاق مع مواءمته للصيغة العربية، وهذه بعض الأمثلة:
- بروتون: يمكن جمعها جمع مؤنث سالم فتصبح: بروتونات.
- إلكترون: يمكن إلحاقها بأل التعريف فتصبح: الإلكترون.
- أكسيد: يمكن جمعها جمع تكسير فتصبح: أكاسيد، ويمكن اشتقاق فعل منها: يتأكسد.
- دكتور: يمكن جمعها جمع تكسير فتصبح: دكاترة.
كما يحب تصويب الكلمات العربية التي حرفتها اللغات الأجنبية واستعمالها باعتماد أصلها الفصيح، فمثلاً كلمة «syrup» أصلها العربي «شراب»، وكلمة «alcohol» أصلها العربي «الكحول»، وكلمة «gas» أصلها العربي «غاز»، وكلمة «arsenic» أصلها العربي «الزرنيخ»، وكلمة «cotton» أصلها العربي «قطن»، وكلمة «camel» أصلها العربي «جمل».
وهناك كلمات أجنبية دخيلة، وما أكثرها، اخترقت لغتنا العربية عنوة أو أقحمت فيها إقحاماً، فاستباحت ساحتها وفرضت نفسها عليها واحتلت مكانًا بين مفرداتها، ويُعدُّ هذا أحد عيوبنا في السماح لها والترحيب بها ومن ثم استخدامها طوعًا دونما وعي أن في العربية معانٍ ومترادفاتٍ تحل محلها وتغني عنها، فخذ على سبيل المثال:
- لوجستي: عتاد. - إثني: عرقي. - برستيج: فخامة. - كاريزما: جاذبية. - ماراثون: سباق. - كود: نظام، رمز، دليل. - لوبي: تأثير سياسي. - كلاسيكي: تقليدي. - رومانسي: عاطفي. - دراما: مشكلات نفسية وعاطفية. - كوميديا: مرح وترفيه. - تراجيديا: مأساة. - كنترول: تحكم. - تكنولوجيا: تقنية. - بروتوكول: اتفاقية أو معاهدة. - روتين: تواتر. - أكاديمي: علمي. - سوشيل ميديا: الوسط الإعلامي. - فوتوفولتيك: كهرضوئية. - سيناريو: تصوُّر.
كما أن لكل مفردة عربية مترادفات متعددة، وثمة كلمات أخرى مستجدة لا مندوحة من إيجاد تعريبات لها مثل «مول» و«جاليريا» و«بلازا»، كما أن الزائر لأسواقنا الجديدة الراقية وبخاصة وجبات المطاعم الحديثة يلحظ بكل أسى وأسف أن الكلمات والمسميات الأجنبية أضحت طاغية على معظم - إن لم يكن كل - اللافتات والإعلانات والدعايات والمسميات.
وفي سياق متصل يرد لدولنا العربية الكثير من الأجهزة والمعدات الكهربائية، لذا فرضت «هيئة التقييس» التابعة لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية شروطًا في اللوائح الفنية التي تصدرها تلزم الدول المصنعة لتلك الأجهزة والمعدات بضرورة تضمين اللغة العربية في الكتيبات والتعليمات الإرشادية المصاحبة لتلك المنتجات وإلا كانت عرضة لعدم الفسح للوصول إلى أسواقها بل الإعادة لدول المنشأ. كما أن المواصفات القياسية التي تتبناها وتعتمدها وتترجمها دول مجلس التعاون الخليجي تكون حافلة بالكثير من المفاهيم والكلمات والمصطلحات العلمية التي تحتاج للتعريب وترجمة تعريفاتها ومدلولاتها، الأمر الذي تمخض عنه ولوج الكثير من الكلمات الفنية العلمية المعربة لحضانة اللغة العربية مما ساهم في إنمائها وإثرائها وتوسعها.
خاتمة
لقد قيل إن اللغة «أي لغة» تشبه الكائن الحي، تموت منه خلايا قديمة وتحيا فيه خلايا جديدة، وهذا يفسر مسيرة اللغات واتساعها ومواكبتها للتطور لما يستجد ويترى من مخترعات ومبتكرات؛ مما جعل التعريب القاعدة الأصلب والبوابة الأوسع لصناعة مصطلحات جديدة يتم توليدها وتكوينها من اشتقاقات متعددة بناء على معطيات المسمى أو المبتكر الجديد مما يلزم معه التوسع ضمن السياقات المتعددة والتطورات المتلاحقة في صناعة المصطلحات الجديدة من خلال النحت والإدخال والمضاهاة والتصريف والاشتقاق.
إنَّ اتصالنا بالحضارة الغربية، وسعينا إلى تعريب ما نستطيع تعريبه لأمرٌ تحتمه الحاجة وتفرضه الضرورة؛ وذلك لحاجتنا إلى العلم والتقنية، ولا سيَّما أنَّ سِمَة العصر هي السرعة والتقدُّم في كل المجالات وشتى الاتجاهات، ولا خلاف اليوم على أنَّ اللغة العربية هي أقوى عوامل الوحدة والتضامُن، وأنها من أغْنَى اللغات وأوسعها اشتقاقًا وأوفرها تعبيرًا، وقد حقَّقتْ عملية التعريب في تشجيع الترجمة إلى العربية ونشْر الأعمال الإبداعية التي أفرزتها الثورة الصناعية، والمطلوب اليوم إنشاءُ مؤسَّسة عربية مختصة تشرِف على كلِّ ِأعمال التعريب في الأقطار العربية كافة، وأنْ تهتمَّ بالترجمة كنشاط يحتاج إلى رعاية وتنسيق، وتخطيط وتنظيم، وغزارة علميَّة عالية لنقْل أحدث المؤلَّفات في مجال العلوم والتقنية في عصر العولمة والحواسيب، ووسائط المعلومات، وهذا أمر يحتِّمه الواقع؛ لكي نواكب ظروف العولمة وآليَّاتها وتغيراتها المستجدة والمتلاحقة.
أ. د. عبدالله محمد الشعلان
كلية الهندسة
إضافة تعليق جديد