أبدأ هذا المقال بمقولة «رب ضارةٍ نافعة»، فقد كان لفايروس كورونا الدور الكبير في مراجعة حياتنا بشكل عام، وأمورنا واحتياجاتنا الأخرى بشكل خاص مثل المنازل والأحياء السكنية والشوارع والبيئة العمرانية وغير ذلك.
وبما أن السفر الدولي لازال متوقفاً تم اعتماد خيار السياحة الداخلية والتوجه إلى المناطق السياحية بالمملكة العربية السعودية، خصوصاً وأن الوقت صادف الإجازة الصيفية، ومن تلك المناطق الطائف والباحة وعسير لتميزها بالأجواء المعتدلة والطبيعة الخلابة، وحديثي هنا سوف يكون عن السياحة في عسير وقد فضلت أن أطلق عليها «السياحة الريفية».
يوجد عدة تعريفات للسياحة الريفية ولكن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية عرفت السياحة الريفية ببساطة على أنها جميع الأنشطة السياحية التي تحدث في المناطق الريفية ذات الكثافة السكانية المنخفضة.
وتعد السياحة الريفية من أشكال السياحة التي أصبحت ملحوظة أكثر حيث أصبحت بديلاً للسياحة الحضرية، ونرى أغلب السياح يفضل الريف حيث تكون للشجرة أو الصخرة قصتها ودورها في الإبداع والابتكار والأصالة، يتكامل الإبداع والأصالة لينتج لنا منتج سياحي فريد من نوعه من خلال التطوير والمناظر الطبيعية والغذاء وتقاليد المجتمع والطقس.
إن هذا الشكل من السياحة يمارس منذ العصور القديمة ولكن بشكل عفوي وتلقائي، ففي البلدان الأوروبية أصبحت السياحة الريفية قضية مهمة منذ التسعينات وأصبح ترويجها والاهتمام بها أكثر من أي وقت مضى، وكان التوجه الاستراتيجي لدى الأوروبيين لهدف «تحسين نوعية الحياة في المناطق الريفية وتشجيع تنوع الاقتصاد الريفي» ويكون ذلك عن طريق السياحة باعتبارها وسيلة مهمة لتحسين القدرة التنافسية للمناطق الريفية، ويجب العمل على تطويرها لتكون مكملاً للسياحة داخل المدينة.
وقد يفضل الزائر السياحة في الريف لأن الريف يجمع بين الثقافة والطبيعة والترفيه، وقد تكون في بعض الأحيان بديلاً أرخص للزائر، ويتميز الريف بالهدوء والعيش في وسط الطبيعة بعيداً عن زحام المدن والمباني الخرسانية والسيارات والطرق، لذلك أصبحت السياحة الريفية أسلوب حياة واتجاهاً حديثاً لتطوير صناعة السياحة في بلدنا من وجهة نظر تخطيطية واقتصادية واجتماعية وثقافية، كونها حلاً لخلق فرص العمل في المناطق الريفية، وتوليد دخل إضافي للمجتمع المحلي، وبالتالي المساهمة في رفع مستوى معيشة سكان الريف.
إن منطقة عسير، سراةً وتهامة، تتميز بطبيعة تجمع بين الجبل والوادي مما يجعلها مقصداً للسياح، وتتميز بعدة عناصر فريدة مثل التنوع والأصالة والتاريخ والجمال، تخلق أنشطة متنوعة أيضاً.
وبالنظر إلى أهمية السياحة في عملية تخطيط التنمية بمنطقة عسير من الضروري أخذ السياحة الريفية بعين الاعتبار في الخطط العامة للمنطقة وتسليط الضوء عليها، لما لها من دور إيجابي في عملية التنمية، حيث إن أغلب منطقة عسير أرياف، وقد رأينا المجتمع المحلي يهتم بالزراعة ويحافظ على التراث والطبيعة، فهناك منتجات زراعية محلية تباع في المنطقة كالبرشوم والرمان والتين والخوخ، وهناك آلاف المناطق التراثية والمتاحف العامة والخاصة تحظى باهتمام وتطوير من قبل الأهالي، بل إن أغلب السكان قام بتطوير وتأهيل البيوت القديمة لتصبح إما نزلاً سياحية أو كافيهات ومطاعم ومنتجعات بعضها يستحق أن يصنف بخمسة نجوم.
وقد زرت بنفسي تلك الأماكن الجميلة في أرياف مدينة أبها، قرى بني مازن تحديداً، فعائلة حولت مزرعتها الخاصة لمنتجع سياحي مميز، وأخرى تؤسس مقهى بين أحضان الطبيعة الساحرة، ومزرعة عائلية تتحول إلى وجهة سياحية، وشابان يحولان مزرعة العائلة لمنتزه يضم مقاه ومطاعم وأماكن مفتوحة تجذب الزوار، وما يميز تلك المشاريع قيام أفراد العائلة بالفكرة والتطوير والتأهيل والإدارة وهذا هو سر النجاح.
وفي خبر تم نشره الأشهر الماضية يفيد بحصول منصة «جاذر إن» على الترخيص الرسمي من وزارة السياحة بإتاحة تأجير بيوت السكان بشكل يومي للسياح، وجميع ما ذكرت لاشك أنه يساعد في تنمية قطاع السياحة في السعودية وهو أحد أهداف رؤية المملكة 2030، باعتباره قطاعاً إنتاجياً رئيسياً في الدولة، يحقق إيرادات ويخلق فرص عمل ويساعد على الاستقرار الاقتصادي للمنطقة وهذه هي التنمية الريفية.
في أوروبا وفرت السياحة الريفية 6 ملايين سرير في 500 ألف منشأة لنزل السياح، عام 2014م، تمثل هذه النزل حوالي 15% من إجمالي سعة الإقامة في أوروبا، جنباً إلى جنب مع الخدمات ذات الصلة، حيث يولد هذا القطاع أكثر من 100 مليار يورو في الإنفاق المباشر، وهذا مهم جداً ومحفز لبقاء وتنشيط العديد من المناطق الريفية.
لاشك أن السياحة بشكل عام تعود بالنفع على السياح والمجتمع المحلي، ولها أهمية كبيرة للحياة الاقتصادية والاجتماعية للمنطقة، مع الآثار المباشرة وغير المباشرة في توفير الوظائف للمجتمع الريفي وفرص العمل للسكان، وتزيد من نوعية الحياة وتشجع على ترميم المواقع التاريخية المحلية والإقليمية وتدعم الثقافة المحلية، ولكي يتحقق كل ذلك لابد من التوصل إلى اتفاق وشراكة بين القطاعين العام والخاص، مع الأهمية البالغة لمشاركة المجتمع المحلي لتصبح منطقة عسير وأي منطقة أخرى وجهة سياحية دائمة.
وأكاد أجزم، ورغم أني أحد أبناء منطقة عسير المحبوبة، أن هناك أماكن وقرى وتراث وفرص كثيرة جداً في كافة أرجاء المنطقة لم تظهر حتى الآن، ولكن سيأتي اليوم الذي يجعل منطقة عسير ضمن أفضل الوجهات السياحية عالمياً.
وختاماً إن الشراكة مهمة جداً إذا أريد للسياحة الريفية أن تنجح، ومن أجل تطوير وتحسين وتنمية السياحة في المنطقة يجب على الإدارة المحلية والمجتمع بأسره المشاركة في إنشاء مركز للمعلومات السياحية، وإقامة شراكات بين الشركات الخاصة والجهات الحكومية العامة والمحلية، وإنشاء معاهد جديدة وصالات عرض ومعارض وورش عمل، إضافة لعمل بحوث علمية واستفتاءات، وتطوير وسائل النقل العام، وتطوير شبكة المرافق والاتصالات.
عوض القحطاني
ماجستير في التخطيط العمراني
إضافة تعليق جديد