لا شك أن التاريخ بدأ منذ وجد الإنسان على وجه الأرض، وانطلاق مسيرته الحضارية عليها، والتاريخ كما هو متعارف عليه علم يستمد معلوماته من المصادر التاريخية على ما يعتري تلك المصادر من اختلاف من حيث الالتزام بالمصداقية والدقة والأمانة والوضوح، ومهمة المؤرخ والباحث التاريخي هي قراءة أحداث التاريخ ومحاولة تفسيرها، وليس الاقتصار على كتابتها وتدوينها كما وردت في المصادر.
ولا ضير أن تتعدد المرات التي تتم فيها عملية قراءة التاريخ وتفسيره مادامت الشعوب بحاجة إلى تجديد وعيها بتاريخها، حتى وإن تمت عملية القراءة من وجهات نظر مختلفة ما دامت ملتزمة بأسس ومبادئ البحث العلمي، ويمكن تعريف التاريخ أيضاً بأنه مجموع المكتسبات التي تحققت للإنسان ووصلت أخبارها إلينا.
وقد حاول المؤرخون التفريق بين كلمة «تاريخ» التي تعني الماضي البشري للإنسان على وجه الأرض بمجالاته المختلفة، وكلمة «تأريخ» ويُقصد بها الجهد المبذول لمعرفة الماضي ورواية أخباره ومحاولة إظهار معناه.
وقد عرَّف الفلاسفة الإنسان بأنه «كائن تاريخي» بمعني أنه الوحيد من بين سائر الكائنات جميعاً الذي يصنع تاريخه، وهو الكائن الوحيد الذي لديه وعي بالزمان.
إن تتبع الأحداث التاريخية والاطلاع العميق عليها من خصائص الأمم اليقِظة والمستنيرة لما لها أهمية بالغة كونها تعد نافذة يمكن من خلالها التعرف على الأعوام التي صعدت فيها وأصبحت منارة للإشعاع، والأعوام التي عم فيها الظلام وكثر فيها الصراع وأصبحت بيئة مضطربة طاردة، والمطالعة هنا ليست للتباهي بالماضي المشرق أو التباكي على الانهيار، بل لنجعل الأحداث التاريخية مرشداً وموجهاً لإدراك الحاضر واستلهام المستقبل.
يُقال إن الأمة التي لا تعرف تاريخها لا تُحسن صياغة مستقبلها، ذلك أن قراءة التاريخ بتمعن كفيل بتجاوز كل الصعاب التي تعترض الولوج إلى المستقبل المنظور للدولة، أية دولة، والخروج من حالة التيه والضياع التي قد تلج إليها نتاج تفريطها برباط ماضيها وابتعادها عن مآثر الأجداد وإرثهم الحضاري.
إن مرض «الزهايمر» يصيب الأفراد في مرحلة الشيخوخة وهو أيضاً يصيب الشعوب في حال أهملت تاريخها ولم تتعظ به، لذا فقراءة التاريخ ليس ترفاً بل هو تحصين للأجيال من تدوير مآسي التاريخ وإعادة إنتاجها، ووقاية لها حتى لا يعيد نفسه بطريقة أو بأخرى. ولا شك أن فهم وإدراك التاريخ من قبل الشعوب يحقق العديد من القيم والمنافع سواءً للفرد أو المجتمع، ويمكن أن نلخصها فيما يلي:
- توسع الأفق، وتنشط الفكر، وتشحذ الهمم.
- تزيد الخبرة والمعرفة وتجعل من القارئ كأنه معايش للأحداث، وبالتالي يأخذ بالنصائح ويستفيد من الدروس.
- تنير للمجتمعات طرقهم وتجعلهم أكثر إدراكاً وتيقظاً للتعامل مع ما يستجد، وأكثر حنكة للخروج بأقل الخسائر.
إن الوعي بالتاريخ هو قيمة إنسانية بحد ذاتها، جوهرها حفظ ذاكرة الأمة وهويتها الثقافية والحضارية؛ واللاوعي به بلا شك قطيعة مُرعبة، مؤداها ذاكرة تاريخية معطوبة، وأجيال متعاقبة بلا ولاء وانتماء للهوية الوطنية.
وختاماً أبارك لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وسمو ولي العهد الأمين محمد بن سلمان، بحلول ذكرى اليوم الوطني 90 حيث تمر هذه الذكرى الغالية والوطن يعانق السماء بنجاحاته، حفظ الله المملكة وبارك في أهلها وأعلى مكانتها، وكل عام والشعب السعودي بخير وأمن وأمان.
عبدالعالم السامعي
كلية الآداب - قسم التاريخ
طالب دكتوراه
إضافة تعليق جديد