تفويض الصلاحيات في الجامعة «1-2»

من أكثر الملاحظات التي تلاحظها الإدارة القانونية على مَحاضر مجالس الكليات مسألة تفويض الصلاحيات، حيث تقوم المجالس في كل عام جامعي جديد، وفي نهاية كل عام جامعي منتهي بتفويض بعض الصلاحيات للعمداء، أو لمجالس الأقسام، وتختلف مجالس الكليات في هذا؛ فبعضها يفوض أغلب صلاحياته، وبعضها يتمسك بتلك الصلاحيات، والبعض وسطاً بين هذا وذاك.

وتفويض الصلاحيات في الجامعة لا يقتصر على مجالس الكليات فقط، بل إن أغلب الكيانات في الجامعة لديها صلاحيات تقوم بتفويض بعضها، ابتدءاً من مجلس الجامعة، مروراً بالإدارة العليا فيها، حتى تصل إلى مجالس الأقسام، ومدراء الإدارات.

والسؤال المهم: ما هو الضابط في تفويض بعض الصلاحيات وعدم تفويض بعضها؟ أو بصيغة أخرى: متى يتم تفويض هذه الصلاحية ومتى لا يجوز تفويضها؟

قبل أن نجيب عن هذا السؤال؛ نستعرض معنى التفويض وما يتعلق به، إذ ليست الجامعة فقط هي التي تمارس التفويض، بل جميع كيانات الدولة ابتداءً من رأس الهرم رئيس الدولة الملك، ومروراً بالمجالس العليا مثل مجلس الوزراء، ومجلس الشورى، وانتقالا إلى الوزارات والمؤسسات العامة.

التفويض هو إجراء يتم فيه انتقال جزء من الصلاحيات المقررة نظاماً من شخص إلى آخر، أو من كيان إلى آخر، فالتفويض يعني اشتراك الآخرين في السلطة التي لك، تمنحها لهم فتره محددة، طويلة «سنة» أو مقيدة «شهر أو أشهر»، بموجب قرار تفويض، وتخضع بالتالي إلى رقابة المفوض، وله أن يسحب الصلاحيات المفوضة بموجب قرار في أي وقت أثناء التفويض.

وهناك تفويض في الاختصاص، وتفويض بالتوقيع؛ فالتفويض بالاختصاص يعني أن ينقل المفوض جزءاً من صلاحياته وسلطاته النظامية إلى شخص آخر، وبالتالي لا يقوم هو بممارسة تلك الصلاحيات خلال فترة التفويض.

بينما يعني التفويض بالتوقيع أن يكلف صاحب الاختصاص موظفاً لديه بتوقيع بعض القرارات نيابة عنه، مع احتفاظ صاحب الاختصاص بحق التوقيع في أي وقت؛ مثلاً أن يعهد عميد المواد البشرية إلى مدير شعبة الموظفين بتوقيع إجازاتهم السنوية بدلاً عنه، فيستطيع العميد أن يسحب هذا التفويض من رئيس تلك الشعبة في أي وقت.

وتحرص الأنظمة المختلفة على النص على تفويض الصلاحيات لما له من مزايا كثيرة؛ منها عدم المركزية في اتخاذ القرار، وتوفير وقت المسؤول حتى لا يضيع وقته في ممارسة مهام وسلطات ثانوية هي من اختصاصه، ومنها منح فرصة لمن يعمل معه للتجربة والتعلم والتهيئة للعمل في منصب أكبر.

وقد نص النظام الأساسي للحكم على تفويض صلاحيات الملك لولي العهد في المادة «65»، ونصت المادة «31» من نظام الخدمة المدنية على أن للوزير أن يفوض بعض صلاحياته، وكذلك نظام الجامعة الجديد نص على العديد من فرص تفويض الصلاحيات التي سنستعرضها بالتفصيل فيما بعد.

يشترط أن يكون التفويض مكتوباً ويصدر بقرار من صاحب الصلاحية يحمل اسمه، ويحدد الهدف من التفويض، والصلاحيات المفوضة، ومدة التفويض.

وقد تضمنت لائحة التكليف الصادرة عن وزارة الخدمة المدنية عام 1420هـ، وكذلك اللائحة التنفيذية للموارد البشرية في الخدمة المدينة الصادرة في 29/1/1440هـ، قواعد التفويض في المواد من «235- 242»، وهي نفس القواعد التي تلتزم بها إدارة الجامعة عندما تصدر قرار صلاحيتها.

إذ تقوم الإدارة القانونية في الجامعة بعمل مشروع قرار للصلاحيات في الجامعة، يُرفع لرئيس الجامعة الذي يصدره في بداية كل عام هجري، ويوزع على وكلاء الجامعة، ومنهم إلى الكيانات التابعة لهم مثل الكليات، والإدارات.

ولا يجوز لمن فُوضت إليه الصلاحيات أن يفوض غيره بتلك الصلاحيات إلا بموافقة الجهة التي فوضته بتلك الصلاحيات، ولذا نصت المادة «240» من اللائحة التنفيذية أن التفويض لا يعفي المفوِّض من المسؤولية.

وينتهي التفويض بانتهاء مدة التفويض، فقرار الصلاحيات في الجامعة يبدأ بتاريخ 1 محرم وينتهي في 30 ذي الحجة، وينتهي التفويض بانتهاء الغرض الذي من أجله تم التفويض، فلو تم تفويض عميد بصلاحية قبول بعض الحالات الاستثنائية فإن التفويض ينتهي بمجرد قبولهم ولايستمر.

وينتهي التفويض كذلك بإلغاء قرار التفويض، وهو القرار الذي منح الصلاحيات للمفوض إليه، فإذا ألغي فلا سند قانوني لاستمرار التفويض، كذلك ينتهي التفويض بشغور وظيفة من فوضت إليه الصلاحيات، فلو فوض رئيس الجامعة بعض صلاحياته لمدير عام الشؤون المالية والإدارية، ثم ألغي هذا المنصب فإن التفويض يُلغى مباشره بمجرد إلغاء ذلك المنصب.

كذلك ينتهي التفويض بمضي ثلاثة أشهر من تاريخ تعيين وزير مختص آخر غير من صدر منه التفويض، فلو أصدر رئيس الجامعة قرار صلاحيات ثم أُعفي من منصبه وعُيّن رئيس آخر، فإن قرار الصلاحيات الذي أصدره الرئيس السابق يعتبر ملغياً بعد مضي ثلاثة أشهر من تعيين الرئيس الجديد، وذلك حتي يكون للرئيس الجديد الحرية الكاملة في تفويض ما يراه من الصلاحيات، والاحتفاظ لنفسه بما يريد.

alhudaithy@yahoo.com

أ. د. إبراهيم محمد الحديثي

كلية الحقوق والعلوم السياسية

قسم القانون العام

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA