اعتدت دائما قبل محاضراتي أن ألملم أوراقي وتدويناتي وملاحظاتي عن موضوع المحاضرة، كما اعتدت فى كل صباح أن أسجل مهامي بقلمي في أجندتي الصغيرة، ولم ألتفت يوما إلى مفكرة هاتفي لأدون عليها أفكاري ومهامي اليومية، وغدت أوراق محاضراتي جزءاً من عملي وارتبطت بعلاقاتي بطالباتي في النشر والتدوين والتلخيص لموضوعات المحاضرات.
وكنت أستمتع بدخولي المحاضرة محتضنة هذه الأوراق منسجة بخيوط ما حوته من أفكار بعقول طالباتي، هائمة معهم في المناقشة والتحليل عبر جدران الفصل الدراسي، أتابع تعبيرات وجوههن، ألمح استفسارتهن، أستمتع بالتفاعل والتواصل الإنساني الذي يربطني بهن عبر المحاضرة وتجولي بينهن، وممارستي لاستراتيجيات التعليم المختلفة بشكل مباشر على مسرحي المفضل وهو قاعة الدرس.
استيقظت يوما على صوت جهاز اللاب توب الخاص بي: «استيقظي حان موعد المحاضرة». فرددت: «آه لم ألملم أوراقي بعد». فباغتني «انتبهي لا لا لا أوراق لا أقلام نحن في زمن كورونا وستلقين محاضرتك عبر الهواء معي أنا، أنا سأدير كل محاضراتك وأوراقك وأقلامك وأفكارك وتواصلك بطالباتك، فكل شيء بداخلي».
فرددت في نفسي «يالهذا الزمن العجيب! ولكن إن كنت أنت تناديني معلنا تسيدك؛ فاعلم أنني ما زلت سيدة الموقف في عملي وأنت مجرد وسيلة».
من هنا بدأت تجربتي في التعليم عن بعد، ولا شك أنها كانت تجربة بلا أوراق، إلا أنها ممتعة ومثرية بالنسبة لي، تعلمت فيها أن أبدع في توظيف قدراتي التعليمية لإيصال المعلومة بكل دقة ومهارة ولو من خلف أسوار الجامعة، وأن يظل تواصلي الإنساني بطالباتي ولو عن بعد، وأن أكون جزءا من هذا العالم الافتراضي، حيث إن التعليم عن بعد هو أحد متطلبات العالم الرقمي الذى اتجهت إليه كل دول العالم.
للتعليم عن بعد مزايا عديدة منها تجاوز قيود المكان والزمان في العملية التعليمية، توسيع فرص القبول في التعليم العالي تجاوزا لعقبات محدودية الأماكن، وتمكين مؤسسات التعليم العالي من تحقيق التوزيع الأمثل لمواردها المحدودة، التنوع في تقديم المعلومة للطالب بوسائل تقنية ومبتكرة، تمكين الطالب من تلقي المادة العلمية بالأسلوب الذي يتناسب مع قدراته من خلال الطريقة المرئية أو المسموعة أو المقروءة، تقليل الأعباء الإدارية بالنسبة لعضو هيئة التدريس ما يزيد من تركيزه في العملية التعليمية.
ولكن هناك بعض الشروط التي تساعد على نجاح عملية التعليم عن بعد منها بدء المحاضرة بموعدها وإعلام المتعلمين بأهمية المشاركة أثناء المحاضرة من خلال المناقشة والتحليل والعروض التقديمية، التخلص من مصادر التشتت مثل الضوضاء الخارجية وتهيئة المكان والتنبيه على المتعلمين بالحرص على ذلك، متابعة حضورهم من خلال المناقشة والأسئلة المتنوعة، تشجيع ثقافة التعلم عن بعد وأهميتها لدى الطلاب والطالبات.
ولا شك أن نظام الفصول الافتراضية بجامعة الملك سعود وما يتميز به من تقنية عالية قد ساهم بشكل كبير في حسن سير العملية التعليمية عن بعد أثناء جائحة كورونا، خاصة مع التعاون الكبير والمشرف الذى أبدته كافة الوحدات الإدارية والفنية بالجامعة لدعم أعضاء هيئة التدريس والطلاب والطالبات لضمان حسن سير العملية التعليمية .
وأنا أرى أنه حتى بعد انتهاء جائحة كورونا يجب أن يظل التعليم عن بعد هو أحد خيارات الجامعة ولو لبعض المحاضرات أو ليوم واحد في الإسبوع .
وأخيرا فإن ضبط الجودة في التعليم عن بعد تحتاج إلى ضمان التدريب المستمر لأعضاء هيئة التدريس على العديد من البرامج التى تدعم هذا المجال، وتنفيذ البرامج التعليمية وفق مراقبة دقيقة تمكن من تنفيذ البرامج وفق أهدافها الحقيقة، والتقييم المستمر للبرامج التعليمية المستخدمة في هذا النظام في ضوء المستجدات التقنية الحديثة واستخلاص التغذيات الراجعة من أجل إدخال الإصلاحات أو التطوير أولا بأول وبصورة مستمرة تساعد في تشخيص نقاط القوة والضعف.
د. حنان الحسيني
كلية الحقوق والعلوم السياسية
إضافة تعليق جديد