لم يعد التعليم مجرد ممارسة حرة يقوم بها المعلم في أي حقل معرفي، إنما أصبح التعليم في حد ذاته علماً يقتضي من كل من يمارس مهنة التعليم أن يتقن استراتيجياته وطرقه وأساليبه، وأن يكون مدركاً لمدى تلاؤم الاستراتيجية التي يتبعها مع نواتج وأهداف التعلم التي يريد تحقيقها؛ حتى يتمكن من تطوير تعليم طلابه، وإكسابهم المعارف اللازمة، والمهارات التطبيقية التي تمكنهم من قطف ثمرة التعلم.
وإذا تحدثنا عن استراتيجيات التعليم، وهي أشمل من طرق التعليم، فإن الاستراتيجية تقتضي أن يكون لدى المعلم خطة منظمة متكاملة من الطرق والأساليب والأهداف والأنشطة التي بمجموعها تحقق أهداف تعليم المادة الدراسية، مع مراعاة أن يظل التعليم نشطا بين المعلم والمتعلم، وألا يكون دور المتعلم فيها سلبيا، فالتعليم الجيد هو الذي يعزز التعاون، ويشجع التعليم النشط، ويمكِّن الطالب من الحصول على تغذية راجعة تمكنه من معرفة ما تعلمه وما ينقصه من معارف ومهارات.
ولقد كانت «استراتيجية التعليم المباشر» من أقدم الاستراتيجيات، حيث يقوم المدرس فيها بإلقاء المحاضرة، أو تأليف الكتاب، ولا زالت من أكثر الاستراتيجيات شيوعا؛ وأهميتها تتمثل في كونها تقدم معارف للمتعلم، ولكن ينبغي أن يمزجها المعلم باستراتيجيات أخرى، حتى يخفف من سلبيتها، كأن يستخدم «استراتيجية المناقشة» أثناء المحاضرة، أو يكلف الطلاب بالبحث في الموضوع، أو يجعل الطلاب يشرحون أثناء المحاضرة، مع استخدام التقنيات التعليمية المناسبة.
ومن الاستراتيجيات المهمة «استراتيجية العصف الذهني»، التي تسعى لتوليد الأفكار، وهي من أهم الاستراتيجيات التعاونية، التي ترفع مستوى تفاعل الطلاب، وتعزز تعاونهم، وتشجعهم على التفكير، وتنمي القدرة التعبيرية لدى المتعلم، وتعزز ثقته بنفسه، وتزيل التخوف من الخطأ لدى الطلاب، فالتعلم يكون بالتجارب المتكررة، حتى يحقق أهدافه المرجوة، ولا توجد تجارب بلا أخطاء.
«التعلم التعاوني» يمثل أهم الاستراتيجيات التعليمية التي تشجع تعاون الطلاب، وتشركهم مع المعلم في العملية التعليمية، وتنمي المسؤولية الفردية والجماعية لدى المتعلمين، وتمنحهم مهارات قيادية وتواصلية وإدارية إضافة إلى المهارات التعليمية والمعرفية، وتجدد الحيوية والنشاط لدى الطلاب.
وكثير من المنصات الإلكترونية التعليمية كـ«زوم» توفر للمدربين والمعلمين تقسيم الفصل الإلكتروني إلى غرف منفصلة، وتقسيم الطلاب على تلك الغرف في مجموعات تعاونية، تعمل بروح الفريق الواحد.
وإذا كان المتعلم غدا سيواجه الحياة بمشكلاتها وواقعيتها، فإن على المعلم أن يهيئه لذلك باستخدام «استراتيجية التعليم الميداني»، الذي يقوم فيه الطلاب أو يشترك مجموعة منهم في تنفيذ مشروع ميداني، فيتعلمون كيف يفكرون، وكيف يخططون، وكيف يحللون، وكيف يعبرون، وكيف يعرضون، وكيف يتوصلون إلى نتائج؛ وبذلك يربط المعلم الطالب بالحياة الواقعية، وينمي كثيرا من مهارات البحث والتخطيط والابتكار لديه، وينمي لديه المسؤولية الواقعية، ويفتح له آفاقا للعلاقات المجتمعية.
إن التعليم ليس مجرد معلومات نلقيها للطالب، بل على المعلم أن يتحمل مسؤولية إعداد المتعلم للحياة الحقيقية، ولدمجه في مؤسسات المجتمع مبكرا، بإطلاق مهارات التواصل والابتكار وحل المشاكل، وبذلك من المهم الإفادة من مختلف استراتيجيات التعلم وإشراك الطلاب في تنفيذها، والإفادة منها.
وكما قال كونفوشيوس قديما: «قل لي وسوف أنسى، أرني ولعلي أتذكر، أشركني وسوف أفهم».
د. عادل عبدالقادر المكينزي
قسم الإعلام
إضافة تعليق جديد