مستوى الوعي الصحي عند الأجيال الحالية مرتفع جداً والرشاقة الجسدية أصبحت موضة ومطلباً عند الشباب والفتيات، وانتعشت الصالات الرياضية بالمشتركين من الجنسين، وازدهرت العمليات الجراحية والحميات الصحية التي تستهدف الرشاقة في المظهر والصحة في المخبر، وهذا بالتأكيد ينعكس على الصحة الذهنية والبدنية للفرد والمجتمع.
ولأن الشريحة الأكبر من التركيبة السكانية في السعودية هي من فئة الشباب، فهذا يعني أن الطلاب الجامعيين يشكلون رقماً مؤثراً ضمن هذه المنظومة الإحصائية، والصحة الذهنية والبدنية بالتالي مطلب رئيسي ضمن متطلبات الحياة الجامعية لتوفير بيئة داعمة لنجاح الطلاب.
أقول هذا الكلام لأن جامعة بحجم جامعة الملك سعود بفخامة الاسم وعراقة التاريخ ومبدأ الريادة التي تسير عليه؛ تخلو من صالات رياضية للطلاب والمنسوبين لتشجيعهم على ممارسة الرياضة واستثمار الأوقات التي تكون عادة بين المحاضرات أو بعد انتهاء اليوم الدراسي، حيث لم تعد هذه النوعية من الصالات ترفاً يمكن تجاوزه، بل عنصراً رئيسياً من الواجب أن يكون مُدرجاً ضمن المخططات الهندسية للمدينة الجامعية.
وأنا هنا لا أقصد الصالات الخاصة بالرياضات التنافسية الترفيهية من كرة قدم وطائرة وغيرها، إنما أقصد الصالات الرياضية الخاصة بتحسين اللياقة البدنية والرشاقة الجسدية وتنمية العضلات وبنائها، والتي تعرف بصالات الجيم.
درست في جامعة أمريكية، وزرت جامعات أخرى، وشاهدت كيف أن هذه النوعية من الصالات تحتل مساحات كبيرة واستراتيجية داخل المدن الجامعية، وتكتظ بالطلاب ومنسوبي الجامعة إلى ساعات متأخرة من اليوم، وهذا هو مضمون المدن الجامعية وهي أن تبقى دائماً حيوية ومشتعلة بالنشاط والحركة حتى بعد ساعات الدوام الرسمية.
أشاهد بعضاً من طلابي في صالات الجيم خارج الجامعة، ويعانون كما أعاني من الانتظام في أوقات الذهاب لتلك الصالات، حيث يكون الإنسان عادةً منهكاً من العمل الأكاديمي والإداري ومن الجهد الدراسي فلا يكاد يجد متسعاً من الوقت في المساء للانتظام، بينما لو كانت المدينة الجامعية تحتضن مثل هذه الصالات لوجد الطالب وعضو هيئة التدريس مساحات كبيرة من الوقت لممارسة الرياضة واكتساب اللياقة والبناء العضلي للأجسام، وما يترتب على ذلك من تحسن في الذهنية والنفسية وفي المزاج الشخصي للإنسان.
قبل سنوات قدمت مقترحاً بالتعاون مع الزملاء في المجلس الطلابي في كلية الطب لإنشاء صالة جيم في الكلية لتكون متنفساً ومقصداً للطلاب والمنسوبين الراغبين في ممارسة الرياضة لتنمية أجسامهم وتحسين أمزجتهم وزيادة إنتاجيتهم العلمية والمهنية، ومع الدعم الكامل من سعادة العمداء وترحيبهم الكبير بهذه الفكرة إلاّ أن الإجراءات البيروقراطية في الجامعة أنهكت هذا المقترح ولم يرى النور من ذلك التاريخ.
المجمع الرياضي «الأرينا» هو اللؤلؤة المفقودة في العقد الفريد للمدينة الجامعية بتصميمه الأنيق وأنشطته المختلفة بما فيها صالات الجيم ومعدات اللياقة البدنية، وأجزم أن الأغلبية من الطلاب والمنسوبين ينتظرون خبر افتتاحه بفارغ الصير وعلى أحر من الجمر، الأهم أن تكون أوقاته مرنة تتجاوز أوقات الدوام الرسمي، وأن لا تتسلل البيروقراطية إلى تفاصيل التشغيل والإدارة فتكون قائمة الممنوعات أكبر من المغريات حتى لا يعزف الجميع عنه وعن الاستفادة منه.
ومع تقديرنا وإعجابنا بالفكر الاستثماري للجامعة، وتحويل المساحات الكبيرة الخالية في المدينة الجامعية لنشاطات تجارية واستثمارية تشكل رافداً مهماً ضمن روافد الميزانية الخاصة بالجامعة ومن أمثلتها الإستاد الرياضي والمجمع التجاري، إلا أنني أتمنى أيضاً أن لا تكون هذه التحفة الفنية «الأرينا» ضمن نطاق الاستثمار فتخضع لمستثمر خارجي يفكر بمنطق الربح والخسارة؛ ما قد يشكل عبئاً إضافياً لميزانية الطلاب والمنسوبين مما يضع الخيارات الأخرى خارج الجامعة في موضع المفاضلة والاختيار.
د. خليل اليحيا
كية الطب
إضافة تعليق جديد