حين يتحدث أي خبير مختص في مجال ما فإنه يضع الأولوية للتعليم في مجاله، فالمستثمر يعتبر «الاستثمار في التعليم» له الأولوية، و«رب العمل» بحاجة إلى عاملين متعلمين، والسياسي يرى أن استقرار المجتمع يكمن في تعليم أبنائه، ولذلك قال مانديلا: «التعليم هو السلاح الأكثر فعالية الذي يمكن استخدامه لتغيير العالم». فلم يُجمع الناس على أهمية أمر مثل إجماعهم على أهمية التعليم للكبار والصغار، وللذكور والإناث، ولمختلف شرائح المجتمع.
ليس هدفي الحديث عن أهمية التعليم، فمن يفعل ذلك كمن يحاول إثبات أن الشمس تشرق كل صباح، ولكن السؤال الجوهري: أين مصنع التعليم؟ ثمة مصانع كثيرة للتعليم، بدءا بالبيت، والشارع، والمسجد، ووسائل الإعلام، والمدرسة، ولكن المصنع الأكثر فعالية هو «الجامعة».
هذا المصنع رأس ماله العقل البشري، فهو يحول الإنسان من خامل في مجتمعه إلى فاعل في مجتمعه، يحوله من فتى صغير إلى رجل كبير، ليس كبير السن، بل كبير المقام والقدر في المجتمع، وكذلك الفتاة يحولها إلى امرأة نافعة في مجتمعها، والمجتمع يدفع أبناءه وبناته إلى هذا المصنع وهو يعلق أملاً أن يتخرجوا ويصبحوا أعضاء نافعين قادرين على تحقيق النفع لأنفسهم ولمجتمعهم، وأن يكونوا منافسين بسوق العمل، لا أن يحملوا شهادات لا تجديهم نفعا عند التحدي.
الجامعة إذن، لا تمنح الطلبة معارف وعلوما، فذلك مما يمكن اكتسابه اليوم دون حاجة للجامعة، لكن الجامعة دورها استراتيجي في المجتمع، فهي العقد الوسيط بين طالب يريد أن يصبح كفاءة مجتمعية وبين مجتمع ومؤسسات تبحث عن تلك الكفاءات المجتمعية.
من هنا تأتي أهم أهداف الجامعة في إعداد الطلبة للاستقلال ولتحمل المسؤولية المجتمعية وللنهوض بأعباء الوطن، وللتطوير الذاتي، ولاكتساب الخبرات، والاستفادة من علاقات الجامعة القائمة مع مختلف قطاعات المجتمع: القطاع الخاص والقطاع العام، وسائر القطاعات التنموية، وعليه من المهم أن تصبح الجامعة ليس مجرد مؤسسة يتعلم فيها الطلاب، بل مؤسسة تلتقي فيها كفاءات المجتمع وخبراته، لصنع السياسة التعليمية، ومواءمتها مع متطلبات النجاح الذاتي والمجتمعي والتنموي على مختلف الأصعدة.
لذلك نحن بحاجة مستمرة إلى تحديث المناهج والأنشطة والمهارات والقيم، واستيعابها باستمرار، لا سيما مع التغييرات السريعة في عالم التقنية، وفي عالم المعرفة التطبيقية، وما يتبع ذلك من تحديثات سريعة لا تتواكب مع البطء التعليمي الجامعي الذي يقدم للطلبة محتوى تجاوزه الزمن، ومن ثم يصبح مفتاحا قديما لا يفتح الأقفال التي من المنتظر أن يتمكن الطالب من فتحها حتى يصبح عضوا فاعلا في المجتمع.
إننا في الزمن الرقمي، زمن التغيرات الرقمية، والطفرة التكنولوجية والمعرفية، ومن ثم يصبح واجبا على الجامعة أن تزود الطلبة بمفاتيح رقمية مناسبة وموائمة لمتطلبات النجاح الراهن، وهذا يقتضي أن يضطلع بالتنسيق بين الجامعة ومؤسسات المجتمع جهة خاصة، تكون قادرة على استيعاب التسارع في التغييرات المعرفية والتقنية والاستثمارية الراهنة، وبذلك نقدم لأبنائنا وبناتنا مفاتيح رقمية قادرة على فتح الأقفال الرقمية.
د. عادل عبدالقادر المكينزي
قسم الإعلام
إضافة تعليق جديد