يعد التواصل الاجتماعي والعاطفي بين بني آدم من الضروريات للحفاظ على الصحة العامة واكتساب المناعة وتعزيز الصحة النفسية وهو كذلك من الضروريات الدينية، ويُقصد بالتباعد الاجتماعي الحفاظ على مسافة مناسبة 2 متر تقريبا بين الأشخاص للمساعدة على منع انتشار الأمراض المعدية بصفة عامة والفيروسات بصفة خاصة، وفي ظل جائحة كورونا يعد التباعد الجسدي من الضروريات لمنع الانتشار الإصابة بهذا الوباء.
في الفترة الراهنة يمكن التواصل الاجتماعي بين البشر ولكن مع الحفاظ على التباعد الجسدي وبالاستخدام الأمثل لوسائل التقنية الحديثة في التواصل الافتراضي بديلا للتواصل المباشر في جميع المجالات، حيث إن فيروس كورونا سهل الانتشار من خلال السعال والعطس والمصافحة ولمس الأشياء المشتركة، لذا لا بد من الحفاظ على التباعد الجسدي، فجائحة كورونا قد تكون بمثابة «الوباء الصامت»، أي قد لا تظهر أعراض كورونا على بعض الأشخاص، بينما يمكنهم نقل الفيروس إلى الآخرين.
يعد التباعد بين الأشياء من أعظم السنن الكونية ومن ودلائل قدرة الله وعظمته في خلق هذا الكون، حيث إن سير الكواكب الدقيق في أفلاكها مرتبط بتباعد واحترام المسافات بينها، فمثلا إذا اقتربت الشمس من الأرض ميلاً واحداً فقط احترقت الأرض، وإذا ابتعدت الشمس عن الأرض ميلاً لتجمد كل شيء على الأرض.
أيضا علمتنا الكتابة أن نترك مسافات مناسبة بين الكلمات لكي يفهم القارئ ما نكتبه، وكذلك علمنا قانون المرور أن نترك مسافة بيننا وبين السيارة التي أمامنا حتى لا نصطدم بها.
والحديث عن التباعد الجسدي في ظل جائحة كورونا استدعى للذاكرة قصة ذكرها بعض الفلاسفة تقول: إن مجموعة من القنافذ اقتربت من بعضها في إحدى ليالي الشتاء المتجمدة طلباً للدفء، وهرباً من الجو الجليدي شديد البرودة، لكنها لاحظت أنها كلما اقتربت من بعضها أكثر، كلما شعرت بوخز الأشواك التي تحيط بأجسادها مما يسبب لها المزيد من الألم، وأنها كلما ابتعدت عن بعضها البعض شعرت بالبرودة تجمد أطرافها، وبحاجتها للدفء في أحضان أصدقائها، وقد بقيت المجموعة على هذه الحال بين ألم الاقتراب وهجير التباعد الى أن توصلت إلى المسافة المناسبة التي تقي أفرادها من برودة الجو وتضمن لهم أقل درجة من ألم وخز الأشواك.
كل هذا يبرهن على ضرورة التباعد الاجتماعي والجسدي للمحافظة على الصحة العامة في الفترة الراهنة، وعليه لابد من ترك المسافة المناسبة بيننا وبين الآخرين، أصحاء ومرضى، للوقاية من هذا الوباء الصامت، أيضا بعد الشفاء من فيروس كورونا قد يستمر الشخص في نقل العدوى للأخرين لبعض الوقت.
والالتزام بالتباعد الاجتماعي ليس ضروريا من جانب صحي فقط لمنع الإصابة بالأمراض المعدية، بل يعد ضروريا للحفاظ على العلاقات الاجتماعية؛ فلكل إنسان عيوبه وأشواكه الخاصة التي قد لا تظهر ولا نشعر بآلام وخزها إلا عندما نكون على مسافة غير مناسبة منها.
فالبعض يعتقد أنه كلما ازداد قرباً ممن يحبهم فإن هذا سيشعرهم بالسعادة، وهذا ليس صحيحاً على الدوام، فحتى الاهتمام الزائد قد يفقد معناه وحميميته ويتحول إلى نفور وكراهية، فلكل إنسان خصوصيته ويجب أن يحترمها الآخرون بضبط المسافة مع الآخرين حتى وإن كانوا أقرب الأقربين.
ولكي يبقى الجميل في عينيك جميلاً لا تقترب منه كثيراً، فالبعض أجمل من بعيد، فحافظ على المسافة المناسبة بينك وبينه، وبذلك تكون الصحة العامة والعلاقات الإنسانية أفضل وأكثر قدرة على النمو والازدهار.
لذا يجب على كل إنسان إتقان فن إدارة المسافات بين بنى البشر، ولكي يحمي الإنسان نفسه وذويه من وباء كورونا عليه الأخذ بالإجراءات الاحترازية وقواعد الصحة العامة والالتزام بالتباعد الاجتماعي والجسدي وجعل ذلك نمطا للحياة، وبهذا يقل انتشار الأمراض المعدية مثل جائحة كورونا وغيرها من الفيروسات الأخرى ويساعد المستشفيات على استيعاب المرضى ويتمكن الفريق الطبي من رعاية المرضى وتحقيق الشفاء بإذن الله.
هذا أهم الدروس المستفادة من جائحة كورونا، حيث إن موجات الفيروسات وغيرها من الكائنات الدقيقة الممرضة لن تنتهي، نسأل الله السلامة والعافية.
أ. د. جمال الدين إبراهيم هريسه
كلية الصيدلة
إضافة تعليق جديد