كفاءة الإفاق. لماذا الأن؟

تولي العديد من المؤسسات أهمية بالغة بعمليات كفاءة الإنفاق، وبناء الاستراتيجيات التي تضمن نجاحها سعياً لاستثمار فوائدها؛ خاصة وأن كفاءة الإنفاق يرتبط بالاقتصاد الذي يعد شريان الحياة لأية مؤسسة تبحث عن الاستدامة، ولعلني خلال المقالة الحالية ألقى بعض الضوء على أسباب هذا الاهتمام.

  بداية فرضت تداعيات جائحة كورونا المستجد (كوفيد-19) على الاقتصاديات العالمية نفسها، ورسمت هذه الجائحة على مشهد الاقتصاد العالمي علامات قد يكون من الصعب محوها خلال السنوات القليلة القادمة، وهو ما ضاعف من جهود المؤسسات في عمليات كفاءة الإنفاق سعياً لتحقيق الاستدامة أملاً في الارقاء وتحقيق الطموحات المستقبلية، ولعل هذا الأمر يمكن أن نضعه تحت بند التوجهات العالمية

 أما في المملكة العربية السعودية فكفاءة الإنفاق لها أهمية خاصة الأن وخلال العشرة سنوات القادمة، حيث تلعب هذه الكفاءة دوراً مهماً في تمكين المملكة من أن تصبح نموذجاً ناجحاً ورائداً في كفاءة الإنفاق والاستدامة المالية من أجل تحقيق اقتصاد مزدهر، وتعد كفاءة الإنفاق أحد مستهدفات رؤية المملكة 2030، وركيزة أساسية من ركائز تحقيق برنامج التوازن المالي، وهو البرنامج الذي يهدف إلى تعزيز فاعلية التخطيط المالي، وكفاءة الإنفاق الحكومي، وتسهم عمليات كفاءة الإنفاق في تحقيق المؤسسات لأهدافها؛ لذا تحرص هذه المؤسسات على أن تضع كفاءة الإنفاق ضمن خطتها التطويرية

    وتعني كفاءة الإنفاق استخدام جميع الموارد البشرية، والمالية، والتشغيلية بكفاءة؛ لذا فهي تدعم عمليات الانضباط الإداري، والمالي، بالمؤسسات الحكومية مما يعزز فرص هذه المؤسسات في الاستدامة وتزيد من قدراتها على التقدم والمنافسة، إضافة إلى تشجع الابتكار؛ حيث تقيس كفاءة الإنفاق قيام المؤسسات بتنفيذ المهام المنوطة بها بأفضل التكاليف الممكنة، ولكن هذا لا يعني أن كفاءة الإنفاق تستلزم بالضرورة تقليل الإنفاق بل تعني استخدام موارد المؤسسة بكفاءة لتحقيق أقصى استفادة ممكنة، كما تعني كفاءة الإنفاق الارتقاء بالمشروعات التنموية للدولة؛ مما يؤثر إيجابياً على نوعية الخدمات التي تقدم للمواطنين وتحقيق جودة الحياة من خلال تنفيذ أفضل لكافة المشروعات وضمان جودتها، ودعم الاستدامة لمصلحة الأجيال والقادمة.

    وتعمل الدولة -وفقها الله- على دعم وتعزيز عمليات كفاءة الانفاق؛ حيث يقوم مركز كفاءة الإنفاق بمساعدة الأجهزة الحكومية من الالتزام بسقف الإنفاق المخصص في الميزانية مما ينتج عنه رفع مستوى هذه الأجهزة في تحقيق كفاءة الإنفاق(ذاتياً)، وتوجيه الإنفاق لدعم الأهداف التنموية.

 وتأكيداً على أهمية ذلك واستثماراً لفوائده ذكر ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز: « أننا نلتزم أمامكم أن نكون من أفضل دول العالم في الأداء الحكومي الفعّال لخدمة الوطن، وسنلتزم برفع كفاءة الإنفاق العام وتحقيق الكفاءة في استخدام الموارد والحد من الهدر».

لذا فإن الحرص على نجاح استراتيجيات كفاءة الإنفاق دليل ولاء وواجب وطني يدعم الوطن ويعزز فرصه للتقدم والازدهار، وهو الأمر الذي يجب أن يكون راسخاً في الأذهان؛ حيث أن تحقيقه ليس منوط فقط بمؤسسات الدولة؛ بل بكل من يحيا فيها، ويستظل بسمائها، وهو أمر يتطلب العمل وفق محورين هما:

 الأول: بناء وتنفيذ الاستراتيجيات الداعمة لتحقيق كفاءة الإنفاق.

الثاني: تعزيز دور الفرد في نجاح استراتيجيات تحقيق كفاءة الإنفاق.

 ويشير المحور الثاني إلى أهمية نشر وترسيخ ثقافة كفاءة الإنفاق بجميع المؤسسات، والكشف عن المعني الحقيقي لها، والتعريف بمكتسباتها، وبمسؤولية الأفراد في نجاحها؛ فبناء الاستراتيجيات فقط لا يضمن نجاحها، بل إن تنفيذها هو المحك الحقيقي لاختبار جودة هذه الاستراتيجيات، وهو ما يتطلب تهيئة بيئة التنفيذ، ومن أهم ركائز هذه التهيئة هي تقليل (مقاومة التغيير) التي عادة ما تصاحب تنفيذ الاستراتيجيات الجديدة، والارتقاء بوعي المنسوبين، وقناعتهم بأهمية لعب دوراً واضحاً في نجاح استراتيجيات كفاءة الإنفاق، استثماراً لمكتسباتها على مستوى الوطن والأفراد.

د. طه عمر

عمادة التطوير والجودة

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA