قبل بزوغ عصر الإنترنت الذي جعل التحقق والتحري عن أي معلومة مستجدة أو غريبة أمراً هينا في متناول اليد ضمن ثوان أو دقائق معدودة, حدثنا أحدهم في جلسة عن وجود باذنجان أبيض اللون مما أثار عاصفة من الاستهجان والاستنكار بين الحضور، لاستخفافه بعقولنا على ما كنا نتصور، وهو المسكين المغلوب على أمره الواثق مما يقول ليس في حوزته وسيلة لإثبات ما يزعم سوى مصداقيته التي شكك بها غالبية الموجوين واعتبروا كلامه ضربا من الطرافة لغرابة الأمر لأن منطقتنا التي نعيش فيها آنذاك لم تعرف قط من قبل مثل هذا النوع من الخضار.
أتذكر هذه الواقعة كل مرة أسمع فيها عن شيء غريب لا يكاد يصدق حتى يُشاهد بأم العين، ولكنني تعلمت جيدا أن لا أستعجل بالاستهانة والتشكيك حتى أتأكد, وما أسهل الأمر هذه الأيام.
في الصين يصنّعون بيض المائدة ويصعب على الشخص العادي تمييزه عن بيض الدجاج الطبيعي من مظهره الخارجي أو الداخلي وربما تحتاج لإعداده وتناوله حتى تدرك الفرق، واللحوم المصنعة التي تشبه الطبيعية إلى حد بعيد في شكلها ومذاقها موجودة أيضا، وسواها الكثير من الأغذية التي يدخل ضمن مكوناتها مواد كيماوية وغير عضوية مشكوك في أمان وصلاح استخدامها للبشر، فهل كنت لتصدق مثل هذه الأمور لو حدثك أحدهم بها قبل وجود كل هذه الوسائل الميسرة للوصول للمعلومة، أم كنت سترتاب في قواه العقلية.
نعيش الآن في عالم عجيب يتسارع فيه التقدم التقني في كل مجال بما فيها تطوير الطعام الحيواني والنباتي للجنس البشري، فأصبح أمرا عاديا لا يثير الدهشة أن ينتج المختصون محصولاً زراعياً عن طريق الهندسة الوراثية وتعديل الجينات بصفات أخرى غير تلك التقليدية التي يعرفها الناس، فالفلفل على سبيل المثال صار متوفراً بكل الألوان وبدرجات متعددة لذات اللون، وغيره العديد من الثمار والمحاصيل الأساسية في تغذية البشر والحيوان صرنا نراها بمظاهر جديدة وأحجام لم نعهدها من قبل.
رغم مرور زمن طويل نسبيا على انتشار المحاصيل المعدلة وراثيا فما زالت موضع جدل وخلاف بين المؤيدين الذين يرون فيها الحل الأمثل لزيادة الإنتاج وتلافي حدوث المجاعات مع النمو السكاني المضطرد، وبين المعارضين الذين يخشون آثارا سلبية على صحة الإنسان وسائر المخلوقات التي تتغذى على هذه المحاصيل.
إضافة إلى أن طريق التعديلات الوراثية أحادي الاتجاه لا رجعة فيه؛ كون بذور المحاصيل المعدلة ذات خصائص وصفات مسيطرة وأكثر مقاومة للظروف البيئية الصعبة والآفات؛ مما يجعلها تحل تدريجيا مكان البذور التقليدية التي هي أصلا لم تعد طبيعية بالكامل بسبب كثافة استحدام المبيدات الحشرية والأسمدة الكيميائية والمضادات الحيوية والهرمونات وغيرها من وسائل تحسين الإنتاج فهذه بدورها سيتقلص وجودها وتختفي مع الزمن.
لك الآن أن تتصور ما سوف يحل بنا إن امتد هذا التدخل العلمي بالجينات إلى البشر بعد أن طال النبات والحيوان بشكل أعمق، وتمادى العلماء بهذا الأمر بصورة غير منضبطة بالتلاعب بمنظومة الجينوم البشري تحت أي ذريعة كانت كما ظهرت بوادر ذلك في الصين بلد العجائب، فأي مصير ينتظر أجيال المستقبل؟ وهل ستبقى هذه التدخلات محصورة ضمن مجال الطب وتطوير العلاج، أم سنرى نماذج بشرية خارقة أو مرعبة شبيهة بتلك التي نشاهدها في أفلام الخيال العلمي!
عاهد الخطيب
إضافة تعليق جديد