تعد الحرب البيولوجية أو الحرب الجرثومية والميكروبية من أدوات الدمار الشامل، ولا تقل شراسة عن الحرب النووية والكيميائية، فالحرب الجرثومية هي الأخطر والأقل تكلفة والأوسع انتشارا والأصعب في السيطرة عليها.
فإطلاق العدوى بأحد الجراثيم أو الإصابة به قد يكون سببا في دمار دول بأكملها، وتدمير اقتصادها، وشل حركتها، وتعلن فيها حالة الطوارئ، كما لو أنها في حالة غزو خارجي، وحدث ذلك في جميع الدول مع بداية جائحة كورونا.
والحرب الجرثومية بسيطة، إذ يمكن تصنيع ترسانة الأسلحة الجرثوموية في المختبرات مع وجود بعض الميكروبات المعدية، فالخلية البكتيرية الواحدة تنقسم بسرعة فائقة، لتنتج مليارات الخلايا من البكتيريا المعدية في وقت قصير جدا، وبعض الجراثيم شديدة الخطورة، وتعد من أدوات الحرب البيولوجية، فمثلا واحد على المليون من بكتيريا الجمرة الخبيثة “الأنثراكس» قادر على قتل الإنسان بمجرد استنشاقها.
كما أن فيروس كورونا المستجد وفيروس الإيدز، كذلك فيروسات الكبد الوبائي وإنفلونزا الطيور وغيرها شديد الخطورة على صحة الإنسان، حيث إن الكائنات المجهرية تسبب عواصف مناعية، وتفرز مواد سامة تدمر أجهزة الجسم مثل الجهاز العصبي والقلب والتنفسي والهضمي والدم مما يهدد حياة البشر.
فمثلا سم البوتيولينم الذي تنتجه بكتريا «كلوستريديوم بوتولينيوم»، يُعد من أخطر السموم البيولوجية، حيث إن 2 كيلو جرام فقط منه يمكن أن تؤدى إلى قتل البشرية بأكملها، فهذا السُم البوتيولينم يمنع إفراز الأستيل كولين الناقل العصبي، فيحدث شللا في الأعصاب والعضلات. كما تمكن خطورة الحرب الجرثومية في صعوبة تصنيع الأجسام المضادة واللقاحات والأمصال الضرورية لمواجهة الحرب الجرثومية.
وقديما كان السلاح البيولوجي يستخدم خفية في الحروب، والتاريخ مليء بنماذج كثيرة تم فيها استعمال الحرب الجرثومية، فاليونانيون كانوا يلقون جثث الموتى والحيوانات النافقة والفئران والطيور الميتة لتلويث مياه البلاد التي يحاربونها، وكذلك كان يفعل الفرس والروم والمغول والتتار، فكانوا يلقون الجثث الميتة بالأوبئة على الأنهار الجارية وعيون المياه لنفس الغرض.
وفي العصر الحديث استخدمت بعض الدول ميكروب الكوليرا والطاعون في الحرب العالمية الأولى، كما استخدمت بعض الدول جرثومة الجمرة الخبيثة كسلاح بيولوجي في الحرب العالمية الثانية، وظلت تعاني بعض الدول من آثار الجمرة الخبيثة لسنوات عديدة، أيضا في الحرب العالمية الثانية دول أخرى قامت بنشر ميكروب الكوليرا في آبار المياه مما تسبب في قتل آلاف الأشخاص، كما قامت بعض الدول الاستعمارية بقتل الملايين من البشر بفيروس الجدري الفتاك، الذي يُصنف كسلاح بيولوجي عالي الخطورة.
وفي العصور السابقة اجتاح العالم العديد من الغزوات الجرثومية مثل الإنفلونزا الإسبانية والكوليرا والطاعون وحمى الضنك وغيرها، وفي عام 2020 اجتاح العالم فيروس كورونا «المستجد» والمنتمي لسلالة متلازمة «سارس» الذي أثار جدلا واسعا بين الخطأ العلمي الخارج عن السيطرة، أو الحرب الجرثومية، أو لأغراض اقتصادية للتحكم في تصنيع الأدوية المضادة واللقاحات والأمصال مما يجعل الأمر يتحول إلى صراع بين شركات الأدوية.
ويعد جهاز المناعة الذي خلقه الله هو المنحة الربانية، وهو أقوى آلية للحماية من الحرب الجرثومية، وحائط الصد لجيوش البكتريا والفيروسات، حيث إنه بعد انتهاء عصر كورونا فإن جائحات الحرب الجرثومية التي تهاجم البشرية لن تنتهي، فجهاز المناعة أهم أدوات قوى الشفاء الداخلية «العلاج الذاتي» الذي يعمل عليه الطب الحديث لتحقيق الشفاء من الأمراض الجرثومية وغيرها.
لذا يجب على الإنسان الاعتناء بجهازه المناعي من خلال جعل العادات الصحية أسلوبا للحياة، وتناول الغذاء الصحي المتوازن، وشرب الكثير من المياه، وتنظيم ساعات النوم، واتباع قواعد الصحة العامة، كما يجب الامتناع عن الأغذية المعلبة والمغلفة والأطعمة السريعة حيث إنها تسبب تدمير الجهاز المناعي لأنها تحتوي على مواد حافظة وبلاستيك.
كما أن علو الهمة والإيجابية والمحافظة على الصلوات والأذكار والدعاء والاستغفار وتلاوة القرآن من محفزات قوى الشفاء الداخلية وتعزيز المناعة لمواجهة الحرب الجرثومية التي تنتج عن الفيروسات والبكتيريا مثل كورونا وغيرها من الميكروبات، وعلي مر عصور الحرب الجرثومية ينتصر الجهاز المناعي للإنسان، وتصعف الجراثيم، ويتم إنتاج الأمصال واللقاحات للقضاء عليها بفضل الله ونعمته، نسأل الله العفو والعافية في الأولي والآخرة.
أ. د. جمال الدين إبراهيم هريسه
أستاذ الكيمياء الحيوية والتوجيه الدوائي
كلية الصيدلة
إضافة تعليق جديد