تحدثت في مقال سابق عن المهارات والأدوار التي يمكن أن يؤديها أخصائيو وعلماء الاجتماع لخدمة التكنولوجيا، وأكدت أن المجتمع والتكنولوجيا يتكونان بشكل متبادل ويؤثر كل منهما في الآخر، وتوصلت إلى حقيقة علمية مفادها أن علماء وأخصائيو علم الاجتماع قادرون على المساهمة في التطوير التكنولوجي وتعزيز مساهمة التقنية في خلق حياة أفضل للجميع.
في هذا المقال أتحدث عن أهم أربع مهارات مطلوبة في التكنولوجيا ويملكها الأخصائيون الاجتماعيون وعلماء الاجتماع.
- عقلية متفتحة وشغوفة:
لا يتطلب ذلك أن تكون خبيراً في المجال التقني.
إن الشخص الذي يحاول أن يتعلم كل شيء، يعمل وينتج بشكل أفضل من الأشخاص الذين يعرفون كل شيء مسبقاً، وذلك بسبب مقدرتهم على تعلم أشياء جديدة، ومَن أفضل من علماء الاجتماع في ملاحظة وفهم الأشياء الجديدة!
يقدر قطاع التكنولوجيا العقول الفضولية، والمبادرين الذين لديهم القدرة على التغلب على المصاعب والمشاكل من خلال البحث واقتراح الحلول، حتى لو ابتعدت عن دراسات التكنولوجيا أو أي نوع من علم الاجتماع التطبيقي طوال حياتك المهنية، ففي كل مرة تكتب بحثاً أو كتاباً أنت تقترح في أطروحاتك بعض الحلول لبعض المشاكل، وحتى لو كانت حلولاً نظرية بحتة.
هذا كل ما هو متوقع من العاملين في مجالات التكنولوجيا، قد لا تكون لديك الخبرة الكافية في المجال التقني حتى الآن، ولكن لديك بالتأكيد المهارات اللازمة لاكتسابها، قدرتك على إجراء البحوث والتحليل والتفكير النقدي هي عقلية النمو الخاصة بك.
- إدارة المشاريع:
لا يتحدث الأكاديميون عن إدارة المشاريع لأبحاثهم، بالرغم من ذلك يتطلب إكمال مشروع أطروحة متعددة السنوات، والمناهج، والأساليب، مهارات استثنائية في إدارة المشاريع، وذلك لأنها تتطلب التوفيق بين الأولويات ومسارات العمل والاهتمامات المتعددة في وقت واحد.
إنها تتطلب تنظيم العمل بحيث يتم إنجازه بشكل جيد وفي الوقت المحدد، مالم تكن أطروحتك حول التكنولوجيا، فمن النادر أن يرغب أي شخص يعمل في المجال التقني بالاطلاع عليها، ولكن ما يريدون معرفته هو كيفية إدارتك لمثل هذا العمل الشاق، لأن هذا دليل على تميزك بالمهارات القابلة للتحول والتي تمكنك من المساهمة في المجال التقني.
- تحليل البيانات:
القدرة على تحليل وتعلم الأشياء المعقدة هو أفضل ما يفعله طلاب وحملة الدكتوراه في علم الاجتماع، إن فهم كميات ضخمة من البيانات أو البحث عنها وتحليلها لدعم الإجابة على الأسئلة أو مجرد اكتساب نظرة ثاقبة حول قضية أو ظاهرة معينة هو ما نقوم به كمتخصصين في علم الاجتماع.
نحن مدفوعون بالبيانات والأدلة وكذلك التكنولوجيا، وهذا لا يعني القول بأن عليك أن تكون عالم اجتماع متخصص في الأبحاث الكمية، في الواقع، في بيئة ممكن أن تُفرط في استخدام القياس الكمي وتتبع المقاييس، يمكن لعلماء الاجتماع المتخصصين في البحث النوعي تقديم منظور جديد يوضح ويفسر الأشكال الأخرى لإنتاج معرفة ذات قيمة.
- التواصل:
في المجال التكنولوجي، كما هو الحال في الأوساط الأكاديمية، يجب أن تكون قادراً على توصيل المشكلات المعقدة لأنواع مختلفة من الجماهير، إذا كنت قد قدمت بحثك في ندوة أو مؤتمر علمي، فربما يتعين عليك تعديل إطار ومحتوى العرض التقديمي اعتماداً على أهداف ومعايير المؤتمر، الأمر الذي يتطلب حرصاً على فهم سوء الاتصال الذي يمكن أن يحدث عبر التخصصات أو بسبب اختلاف المجالات.
من المحتمل أيضاً، أنك قدمت عملك على المستوى الدولي، واضطررت إلى التواصل عبر الاختلافات الثقافية واللغوية. علاوةً على ذلك، فإن القدرة على أن تكون حساساً للتنوع الثقافي وأن يكون لديك التعاطف مع العديد من الخلفيات عبر العرق والجنس والجنسية والدين واللغة وفهمها أمر أساسي، لذا نأتي كعلماء اجتماع إلى مكان العمل مستعدين لفهم هذه الحساسيات لأننا ندرسها على أنها أبرز وظائفنا وأهدافنا اليومية المنوط بنا تحقيقها.
وأخيراً، خوفاً من الوقوع في التعميم والتبسيط، سأختم بالإقرار بأنه ليس كل شركات التكنولوجيا مستعدة للترحيب بمتخصصي وعلماء الاجتماع أو حتى فهم ما نقوم به، وأيضاً ليس بالضرورة كل علماء الاجتماع مجهزون بالمهارات المناسبة للنجاح أو الرغبة في العمل في مجالات التكنولوجيا.
ومع ذلك، ما هو صحيحٌ وحتمي هو وجود مزيد من الفرص لمتخصصي وعلماء الاجتماع للمساهمة في صناعة وتطوير التكنولوجيا، نظراً لأن التكنولوجيا تتغلغل في حياتنا الاجتماعية يوماً تلو آخر، ونظراً لاستمرار تأثير التكنولوجيا على المجتمع، فإن فرص علماء الاجتماع في المجالات التقنية سوف تستمر في التوسع مستقبلاً.
* مترجم بتصرف عن مقال للدكتورة لوقا كوزلوفسكي - حاصلة على درجة الدكتوراه في علم الاجتماع من جامعة نورث ويسترن، وتعمل في الابتكار في مجال الذكاء الاصطناعي في مايكروسفت، في مدينة سياتل بالولايات المتحدة الأمريكية، أشرفت على العديد من الباحثين وطلاب الدراسات العليا المهتمين بدور علم الاجتماع في مجال التكنولوجيا.
عوض العتيبي
محاضر بكلية الآداب
محاضر ومرشح دكتوراه في علم الاجتماع بجامعة ليدز البريطانية
إضافة تعليق جديد