السيد براين، كان ضمن طلاب الماجستير التنفيذي في مجال التعليم والتدريب في جامعة ولاية كلورادو، وكان قد تجاوز الخمسين، وكان متقاعداً من عمله، لكن العمر والتقاعد لم يمنعاه من إكمال تعليمه وتحقيق حلمه والحصول على درجة الماجستير، وهي درجة علمية دوامها مسائي لتناسب ظروف الأكاديميين والمهنيين والمدراء التنفيذيين المهتمين بهذه النوعية من الدرجات العلمية لتطوير قدراتهم وخبراتهم في مجال التعليم والتدريب، ولم يتوقف السيد براين عند هذه الخطوة، بل حصل على وظيفة في نفس الجامعة وفي التخصص الذي يجد نفسه فيه.
الوزير والمهندس علي النعيمي، وزير البترول السابق، كان عاملاً بسيطاً ذو تعليم محدود في شركة أرامكوا التي تُعد واحدة من أكبر الشركات على مستوى العالم قيمةً وتأثيراً، لكن موقفاً بسيطاً أغضبه وشعر فيه بالإهانة، فحول الغضب وقتها إلى طاقة وظفها في إكمال تعليمه ومتابعة شغفه حتى أصبح رئيساً للشركة التي كان يوماً ما عاملاً فيها.
لم يقف الوزير النعيمي عند ذلك الموقف مع شعور الإحباط والعجز، بل بحث عن وسيلة تمنع حصول مواقف أخرى له فوجد في التعليم ضالته، حيث ابتعث للخارج لدراسة البكالوريوس، ثم الماجستير، ثم تدرج في الوظائف الإدارية والفنية حتى أصبح على رأس أهم شركة في مجال النفط، لقد كان للتعليم دور مهم في حياة هذا الوزير.
ومن زملاء الابتعاث، مبتعث للماجستير في عمر الأربعين، لم يمنعه العمر ولا عدد أفراد عائلته وأعمار أولاده من إكمال تعليمه وإنهاء الماجستير في هذا السن المتقدم، كان ذاك الزميل طموحاً ليس فقط بإكمال تعليمه، بل في تعلم اللغة الإنجليزية، وتجربة الحياة في ثقافة أخرى.
في تقرير صحفي عن محو الأمية نشر في جريدة الرياض مؤخرا بعنوان «العائدون إلى الدراسة»، ذكر التقرير قصة المرأة التي حالت العادات والتقاليد القبلية دون رغبتها في إكمال تعليمها، ثم جاء الزواج وتعقدت الأمور لديها، فأصبحت في سجال ومناورات بينها وبين الظروف، تهزمها مرة وتنهار أمامها مرات، لكنها قاومت تلك الظروف والمعوقات في سبيل تحقيق تلك الرغبة في إكمال التعليم، فتدرجت في مدارس محو الأمية حتى تم قبولها في كلية التربية، وبعد تخرجها تم تعيينها معلمة، ثم انتهى بها المطاف بأن أصبحت مديرة مدرسة.
وقبل أيام احتفلنا مع زميل لنا في القسم أنهى درجة البكالوريوس بنجاح من خلال نظام الانتساب، وكان يملك قبل ذلك درجة الدبلوم فقط والتي لم تكن تسمح له بمساحة مقنعة في مجال التوظيف، فكان طموحه أكبر من أن يبقى أسيراً للدبلوم، وتقدم خطوة مهمة للأمام بدرجة البكالوريوس، وبالرغم من التزامه الشخصي وانضباطه المهني ومسؤولياته الإدارية، إلا أنه يسعى الآن لخطوة أخرى مؤثرة للحصول على درجة الماجستير.
هذه القصص الناجحة، تثبت أن التعليم خيار ناجح ورهان رابح دائماً، وأن العمر والظروف والعادات والمواقف والأعمال والارتباطات لن تكون عائقاً لمن لديه الرغبة والإرادة والطموح، بل يمكن توظيف المعوقات كمؤثرات توقد نيران الشغف الداخلي عند الإنسان وتضمن استمرار جذوة الإصرار والتحدي لتحقيق الأحلام في إكمال التعليم.
يقول المثل الصيني: «التعليم كنز يلحق صاحبه أينما ذهب»، فاستثمروا حياتكم في البحث عن هذا الكنز والحصول عليه ليكون مرافقاً لكم في حياتكم، ورصيداً محفوظاً في آخرتكم، حتى إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث، ومنها «أو علمٌ ينتفع به».
د. خليل اليحيا
كلية الطب
إضافة تعليق جديد