من سرق الساعة!

 

 

 

تقول القصة «وهي منقوله بتصرف»، أن شخصاً شاهد معلماً له في إحدى المناسبات الاجتماعية، وقد كان أستاذه في المرحلة الابتدائية، فأقبل على أستاذة والسعادة تغمره وقبّل رأسه باحترام، ثم قال له بشيء من الخجل والحياء: هل تتذكرني يا أستاذي؟!

أنا ذلك الطالب الذي سرق ساعة زميله في الصف، ثم طلبت منا أن نقف جميعاً ليتم تفتيشنا، وحينها أدركت أن أمري سينفضح وسيعلم الطلاب في المدرسة وكذلك المعلمون أني سارق، وستكون وصمة عار ستبقى معي طويلاً، لكنك وأثناء التفتيش طلبت منا أن نواجه جميعاً الحائط وقوفاً في صف واحد وأن نغمض أعيننا، ثم بدأت في تفتيشنا، وعندما جاء دوري سحبت الساعة من جيبي وواصلت التفتيش حتى آخر طالب، ثم أمرتنا بالرجوع إلى مقاعدنا، بعدها أعطيت الساعة لصاحبها لكنك لم تذكر حينها اسم الطالب الذي سرقها والذي أخرجتها من جيبه، بل لم تحدثني حتى أو تعاتبني وقتها، أو يعرف بالقصة أحد من زملائي أو أساتذتي، ومنذ ذلك اليوم أخذت عهداً على نفسي ألاّ أسرق شيئاً مهما كان صغيراً أو تافهاً.

قال الأستاذ: نعم يا بني، أتذكر تلك القصة، لقد تعمدت وقتها أن أفتشكم وأنتم باتجاه الحائط وأعينكم مغمضة، حتى لا ينكشف السارق أمام زملائه، لكن ما لا تعلمه يا بني هو أنني أنا أيضا فتشتكم وأنا مغمض العينين حتى يكتمل الستر على من أخذ الساعة، وحتى لا يتسلل إلى قلبه شيء من الخزي أو العار أو الانكسار!

هذه القصة تقول أن دور الأستاذ تربوي أكثر منه إجرائي أو نظامي، وأن الستر وحفظ الكرامة أقوى رسالة من الفضيحة والإهانة، وأن الأستاذ معني بحفظ كرامة الطلاب وحمايتهم معنوياً وحقوقياً قبل أن يكون معنياً بمعاقبتهم أو فضحهم وهتك أستارهم.

وهذا هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم، حيث كان عليه الصلاة والسلام إذا رأى الخطأ من شخص أو من جماعة، قال: «ما بال أقوام»، وذلك حتى يدرك المخطئ خطأه، ويحمل الجميل لمن ستره، وأهدى إليه النصيحة في قالب جميل.

الستر وحسن الظن من مقاصد الشريعة، وهي أخلاق إسلامية وإنسانية نبيلة، وهي من أبجديات صفات الأستاذ الناجح والواثق، فالمعلم يجب أن يكون محباً للستر وراغباً بحسن الظن، فإذا رأى الأستاذ من بعض طلابه خطأً أو تجاوزاً أو إهمالاً أو نسياناً فليحمل ذلك على أحسن المحامل، وليتجاوز عن ذلك، وأن يكون رفيقاً بالطلاب وناصحاً لهم دون تقريع أو تهزيء أو استخفاف بهم أمام زملاءهم؛ حتى لا تنكسر نفوسهم أو تُهان كرامتهم فيكون من ذلك ردة فعل سلبية تنحرف يهم عن الطريق السليم الذي يجب أن يسيروا عليه.  

أحياناً في محاضراتي، أجد انصرافاً من بعض الطلاب ممن يجلسون في الصفوف الخلفية عن المحاضرة وانشغالهم بالجوال، فأعمد إلى التنبيه بأدب، وأخيرهم بين الانتباه أو الانصراف لكن دون النظر إلى هؤلاء الطلاب أو الإشارة إليهم أو الوقوف على رؤوسهم خشية إحراجهم أمام زملاءهم، وحتى أنال حضورهم المعنوي والجسدي بدلاً من مشاعر الغضب والخجل والإحراج.

الستر قد يكون مادياً ملموساً أو قد يكون معنوياً، فالتغاضي والتجاهل والنصيحة من أنواع الستر، فكم من طالب رجع للحق وترك الباطل من حسن تصرف الأستاذ معه، فإن رأيت عزيزي الأستاذ طالباً غلبه الشيطان على نفسه فأراد الغش وسعى له، فلعل سترك عليه يثنيه عن سلوك هذا الطريق، وإن رأيت طالباً قد غاب عن الامتحان أو تأخر عن المحاضرة، فلعل مانعاً حبسه، وهنا تأتي حصافتك كمعلم وحسن ظنك وتقديرك في تحويل هذه المواقف السلبية إلى أفعال إيجابية تعزز من الروح المعنوية عند الطالب وتدفعه للأمام بدلاً من التقهقر للخلف، فمهمة المعلم هي أن يزرع الصحراء، لا أن يقتلع الحشائش الضارة من الحقول.

 

د. خليل اليحيا

كلية الطب

alkhaleel@ksu.edu.sa

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA